الخطيئة السعودية في اليمن
يوماً ما ستتوقف حرب اليمن. أما متى يحدث ذلك، فليس معلوماً. على الرغم من ضجيج المبادرات السياسية، ليس هناك ما يوحي باقتراب هذا الموعد. بعد ست سنوات من انخراطها العسكري، تستعجل الرياض الانتهاء من هذا المستنقع لأسباب عدة. صحيحٌ أنها لم تكن المرّة الأولى التي تتدخل فيها المملكة في اليمن، وهي التي لديها صولات وجولات منذ حكم الإمامة، ودعمه في مواجهة الجمهوريين، ثم الحفاظ على نفوذها بعد ذلك بوسائل عدة، بما في ذلك "اللجنة الخاصة" التي كانت تغدق فيها الأموال على المسؤولين والشيوخ القبليين اليمنيين للتحكّم بهم، إلا أن هذه الحرب كانت مختلفةً عن كل ما سبقها. لم تستطع الرياض تحقيق أيٍّ من أهداف تدخلها، سواء أكان بسبب خطأ حساباتها للمعركة وأمدها أم بسبب تشعب الأزمة اليمنية أم جرّاء مزاحمة حليفة المملكة الأبرز، الإمارات، لها مجيّرة الأحداث إلى مكان مختلف. اكتفت الرياض، عملياً، بمراكمة الخسائر السياسية والعسكرية منذ إبعاد الحوثيين عن عدن في يوليو/ تموز 2015. منذ ذلك الحين، عجزت المملكة التي خاضت هذه الحرب، بغياب أبرز الأمراء الذين امتلكوا مفاتيح الساسة اليمنيين عقودا، عن إحراز أي "إنجاز".
وعوضاً عن "إعادة الشرعية"، ها هو الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، يقيم في الرياض منذ 2015، من دون أن يكون قادراً على زيارة اليمن على مدى ست سنوات، سوى مرّات تقل عن عدد أصابع اليد الواحدة. ويبدو ذلك أكثر من منطقي، بعدما ازداد هادي ضعفاً واليمن تشظياً. وما لم يتحقق عبر تطبيق مخرجات الحوار الوطني من تقسيم للبلاد إلى أقاليم أنجز بشكل غير مباشر على أرض الواقع، حتى في المحافظات الخاضعة لسلطة "الشرعية"، بعدما فرّخت الإمارات مليشيات ودعمتها، فأصبحت الحكومة لا تأمن على نفسها في قلب العاصمة المؤقتة عدن أو في حضرموت أو حتى في مأرب. وأصبح كل طرفٍ محلي على محافظته "سلطانا".
وعوضاً عن هزيمة الحوثيين، وإبعادهم عن حدودها، باتت السماء السعودية حقل تجارب يوميا للمسيّرات والصواريخ التي تطلقها الجماعة، ومن خلفها إيران التي تمد الجماعة بالسلاح والخبرات، وجلّ ما يشغل بال الرياض وقف هذا الاختراق حتى إذا تطلب ذلك تقديم "مبادرة" جديدة للحل، وإتباعها بتنازلات في محاولةٍ لتلبية شروط الحوثيين، سواء أتعلق ذلك بميناء الحديدة أم بفتح مطار صنعاء.
وعلى عكس السعودية، تبدو الجماعة أكثر ارتياحاً لوضعها السياسي والعسكري، ما يجعلها تفاوض من موقع قوة. ميدانياً، معظم الشمال بيد الحوثيين، يحكمونه بالحديد والنار، ولا يتورّعون عن استخدام مختلف أساليب الترهيب لتحقيق ذلك، غير آبهين بحجم الخسائر البشرية. قتلى الجماعة مجرّد أرقام لا أكثر يمكن تعويضهم بسهولة، حتى لو تطلب الأمر "فتوى" بمنع تحديد النسل.
تستميت الجماعة، قبل أي مفاوضات قد تحدث، في السيطرة على مأرب، لإدراكها أن بسط سيطرتها الكاملة على الشمال سينعكس حكماً على طاولة التفاوض، والمكاسب السياسية التي تخطط لتحقيقها في أي تسوية سياسية، تعرف أنها ستكون الرقم الأصعب فيها. لكنها ليست في عجالة لحدوث ذلك، فلديها ما يكفي من المقومات لـ"الصمود" بانتظار هذه اللحظة، بعدما استطاعت على مدى ست سنوات إنشاء اقتصاد حرب يدر عليها مليارات الدولارات سنوياً، من دون أن تتحمّل أي مسؤولية تجاه المواطنين المقيمين في المناطق الواقعة تحت سيطرتها، فالمدنيون مجرّد ضحايا هامشيون في حرب خاطئة، ويجبرون على الاستمرار بدفع الثمن، حتى تحقيق الجماعة شروطها العسكرية والسياسية قبل الموافقة على الجلوس إلى طاولة التفاوض لمحاولة إنهاء الحرب.