الحوثي والمقاومة الإسلامية في العراق معاً ضد إسرائيل
شكّلت "وحدة الساحات" الإطارَ العمليّاتي لما يُعرف بـ "محور المقاومة"، الذي أنتجته تفاعلات مجموعةٍ من الشركاء من وكلاء إيران مع حرب الكيان الإسرائيلي على قطاع غزّة، وتَمظهر ذلك بفتحِ جبهاتٍ متعدّدةٍ لتخفيفِ الضغطِ على الجبهةِ الفلسطينية، واستنزافِ إسرائيل، وأيضاً الضغط على حلفائها، إلى جانب أشكال الدعم والإسناد المُتبادل عسكرياً وسياسياً وإعلامياً وشعبياً، ومنها المعركة البحرية التي تقودها جماعة الحوثي، والتي انتقلت أخيراً إلى مستوىً جديد، وذلك بعد تنسيق عملياتٍ مشتركةٍ مع المقاومة الإسلامية في العراق، أحد الفاعلين في محور المقاومة، المُوالي لإيران.
ضمن استراتيجية وحدة الساحات توزّعت جبهات محور المقاومة جغرافيّاً، واختلفت من حيث الأهمية، وأيضاً أشكال التنسيق المُتبادل بين الفاعلين من قوى محور المقاومة. وإذا كانت الجبهتان، الفلسطينية واللبنانية، تُمثلان الضلع الرئيسي في معادلةِ الصراع العربي الإسرائيلي، بشكلٍ عام، وبعيداً عن علاقةِ الفاعلين المحليين في إيران، فإنّ حرب الكيان الإسرائيلي على قطاع غزّة أسهمت، إلى حدٍّ كبير، في توحيد الجبهتين، سواء بالنسبة إلى قوى محور المقاومة أو إسرائيل. في المقابل، ظلّت جبهة البحر الأحمر عسكرية منفردة تخضع، في المقام الأول، للنشاط العملياتي لجماعة الحوثي ووسائلها في إدارة معركتها البحرية، حيث نفذت أكثر من مائة عملية هجومية استهدفت سفناً وناقلات تجارية في الممرّات المائية التي تُطلّ على نطاقاتها من البحر الأحمر وخليج عدن إلى البحر العربي والمحيط الهندي، بما في ذلك استهداف سفن عسكرية أميركية وبريطانية، إلى جانب الإضرار بمصالح إسرائيل مباشرة باستهداف ميناء إيلات مرّات، كما وسّعت نطاق هجماتها على السفن التجارية إلى البحر المتوسّط. ومن ثم حوّلت معركتها البحرية ضدَّ إسرائيل وحلفائها الغربيين، وفي مقدّمتهم أميركا، إلى جبهةٍ فاعلةٍ لإسنادِ المقاومة في قطاع غزّة، من خلال تصعيد عملياتها في الممرّات المائية، الأمر الذي أدّى إلى شلِّ حركةِ الملاحة في البحر الأحمر، وإرباكِ خطوط النقل البحري، ورفع رسوم الشحن الدولي والتأمين، فضلاً عن التداعيات الاقتصادية، وإغلاق ميناء إيلات بشكلٍ مستمر، ما ترتّب عنه تنمية مركز الجماعة في محور المقاومة، كقوى تخوض حرباً بحرية مستمرة ضدَّ إسرائيل، وحلفائها الغربيين، وهو ما نقل البحر الأحمر، من جبهةٍ ثانوية إلى جبهةٍ مؤثّرة في معادلة الصراع مع إسرائيل، أدّى ذلك إلى مضاعفةِ إيران دعمها الجماعة، من إمدادها بأسلحةٍ متطوّرة، إلى تدعيم التنسيق العملياتي بين الجماعة وشبكة محور المقاومة في المنطقة.
تشكّل المقاومة الإسلامية في العراق جزءًا من نسيج محور المقاومة المُوالي لإيران وجبهة إسنادية فاعلة
خلافاً لحزب الله في لبنان الذي يشكّل المركز الإقليمي الذي ينظّم عمليات إسناد جماعة الحوثي، عسكرياً وسياسياً، وقناة رئيسية لتمرير الدعم الإيراني، فإنّ علاقة الجماعة بقوى محور المقاومة الأخرى، ظلّت متفاوتة من حيث مستوى التنسيق والإسناد، ومنها الفصائل الشيعية في العراق. فعلى الرغم من دعم الحشد الشعبي جماعة الحوثي، باعتبارها من القوى الموالية لإيران، تركّزت مستويات الدعم، إلى حدٍّ كبير، في الجانبين المالي والسياسي. ومن ثمّ، يشكّل التنسيق العملياتي بين جماعة الحوثي والمقاومة الإسلامية في العراق، وهي تنظيم يجمع الكيانات الشيعية شبه العسكرية الموالية لإيران، تحوّلاً نوعيّاً في علاقة قوى محور المقاومة، حيث نفذ الطرفان عملياتٍ مشتركة في الشهر الماضي طاولت ميناء حيفاء، وعدة سفن تجارية في البحر المتوسط، إضافة إلى استهداف ميناء إيلات في الثامن من يوليو/ تموز الحالي، رافقه أيضاً فتح جماعة الحوثي أخيراً مكتباً لها في بغداد، وعقد لقاءات بين قياداتها وزعاماتٍ من "الحشد الشعبي". وبعيداً عن آفاق العلاقة بين الجماعة والمقاومة الإسلامية في المستقبل، فإنّ الأكيد هنا أنّ العمليات المشتركة تصبّ في صالح الجماعة، فإلى جانب توسيع التحالف البحري الذي تتصدّره، بإشراك طرف في العمليات الهجومية لاستهداف إسرائيل ومصالح حلفائها الغربيين، فإنّها تظلّ الطرف الرئيس في معادلة الردع، وأيضاً الطرف الذي يدير الهجوم المشترك، سواء بإعلانها العمليات في بياناتها العسكرية، أو في مضامينها وأبعادها، إذ تأتي عملياتها المشتركة مع المقاومة الإسلامية في إطار عملياتٍ عسكريةٍ متعدّدةٍ تُنفّذها في الممرّاتِ المائية التي تطلّ على نطاقاتها، إلى جانب وصول الجماعة منفردةً إلى هذه النطاقات سابقاً، واستهداف عدة سفن، فضلاً عن أنّ الهجمات البحرية، سواء المنفردة أو المشتركة، تُصنّفها القوى الغربية أعمالاً عدائية تُنفذها الجماعة ضدَّ مصالحها الحيوية، إلى جانب أنّ التنسيق العملياتي مع المقاومة الإسلامية في العراق يتيح للجماعة ممارسة أكبر قدر من الضغط على أميركا والقوى الغربية، وأيضاً تثبيت مركزها في محور المقاومة، كقوى تخوض الحرب البحرية في المنطقة، وهو ما جعلها، وفق تصريحات مسؤولين إسرائيليين، قوّة رئيسية مُعادية لإسرائيل تهدّد وجودها، بعد حركة حماس في فلسطين وحزب الله في لبنان، فيما احتلت المقاومة الإسلامية في العراق مركزاً ثانويّاً من حيث تهديدها إسرائيل.
التنسيق العملياتي بين جماعة الحوثي والمقاومة الإسلامية في العراق يشكّل تحولاً نوعيّاً في علاقة قوى محور المقاومة
في المقابل، تشكّل المقاومة الإسلامية في العراق جزءاً من نسيج محور المقاومة المُوالي لإيران وجبهة إسنادية فاعلة، ومع أنّ نشاطها العسكري ظلّ مرتبطاً، إلى حدٍّ كبير، بالتحدّيات التي تواجهها الساحة العراقية، من مقاومة الوجود الأميركي إلى مطالبها بخروج القوات الأميركية من العراق، فإنّها أيضاً محكومة بديناميكيات الصراع الإيراني - الإسرائيلي، باعتبارها كياناً جامعاً لتنظيم فصائلي شبه عسكري مدعوم من إيران. وفي هذا السياق، نفّذت المقاومة الإسلامية في العراق عدّة هجمات عابرة للحدود، ربّما أهمها استهداف قاعدة عسكرية أميركية في الأردن في يناير/ كانون الثاني الماضي، وأدّت إلى مقتل ثلاثة جنود أميركيين حينها. إلى جانب اشتراكها مع قوى محور المقاومة في لبنان واليمن في الهجوم الإيراني الذي طاول إسرائيل في إبريل/ نيسان الماضي، كذلك اشتركت في تنفيذ عمليات مشتركة مع جماعة الحوثي طاولت سفناً وموانئ إسرائيلية، ومع اتّكاء المقاومة الإسلامية على عوامل قوّة تمكّنها من نقل الصراع مع إسرائيل، وأيضاً مع حليفها الأميركي إلى مستوىً أعلى من التصعيد، وذلك باستهداف العمق الإسرائيلي مباشرة، وأيضاً استهداف القواعد الأميركية، لقرب العراق جغرافيّاً من الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأيضًا لوجود قواعد عسكرية أميركية في العراق وفي الأردن، أي في مدى صواريخها ومسيّراتها، فإنّ هناك كما يبدو تقييدات جوهرية تُعيق نشاطها، وأيضًا تُحجّم عملياتها، إذ إنّ كون العراق منطقة نفوذ مغلقة بالنسبة إلى إيران يعني خضوع القوى العراقية للمعادلة الإيرانية في المنطقة، وأيضاً لمساراتِ علاقتها مع أميركا. ومع أنّ جموح المقاومة الإسلامية ضاعف من مخاوف توريطها إيران، وأيضاً محور المقاومة، في حربٍ شاملة مع أميركا وإسرائيل، وذلك بعد استهدافها القاعدة الأميركية في الأردن، إلا أن إيران ظلّت المُسيطر إلى حدٍّ كبير على توجيهها، مقارنة بجماعة الحوثي مثلًا.
ومن جهةٍ ثانية، المقاومة الإسلامية مُقيّدة بالتفاهماتِ السياسية الأميركية مع السلطة العراقية، التي تجعل أيّ عملٍ عدائي يستهدف أميركا ينطلق من الأراضي العراقية يعني ضرب مواقع المليشيات الإيرانية، ومن ثم تظلّ المقاومة الإسلامية محكومةً بعوامل تُقيّدها من الشرط العراقي بحدوده وآفاقه إلى علاقتها بحليفها الإيراني، وأيضاً إدارة أميركا نفوذها في العراق ومستويات التنسيق مع شركائها المحليين، وبالطبع مع إيران، خلافاً لجماعة الحوثي التي هي طرفٌ يسيطر على إدارة المعركة البحرية ضدَّ إسرائيل وحلفائها، يدعمها كونها سلطة أمر واقع تسيطر على مناطق شاسعة في اليمن، وأيضاً علاقتها بحليفها الإيراني التي تتيح لها مرونة في تنفيذ عملياتها ضدَّ السفن، ومن ثم تصعيد معركتها، وبمعزلٍ، إلى حدٍّ كبير، عن وقف إطلاق النار في قطاع غزّة، إذ إنّ عملياتها تُحدّدها مصالحها الحيوية، مع التنسيق مع حلفائها في قوى محور المقاومة، فيما تتحرّك المقاومة الإسلامية في العراق وفق الحدود التي يضعها حليفها الإيراني.