الجزائر... انتخابات رئاسية محسومة
تشهد الجزائر اليوم انتخاباتٍ رئاسيةً، تبدو بلا مفاجآت، ونتائجها محسومةً لصالح الرئيس الحالي، عبد المجيد تبّون، الذي سبق أن فاز بولاية أولى عام 2019. ورغم أنّه قدّم نفسه مُرشّحاً مُستقلّاً على غرار المرّة الماضية، فإنّه وضع ترشّحه "بناءً على رغبة الكثير من الأحزاب والمنظّمات السياسية وغير السياسية والشباب". وهذا واضح من بيانات التأييد التي حظي بها من ائتلاف "الأغلبية من أجل الجزائر"، ويحتلّ الصدارة فيه حزب جبهة التحرير الوطني، صاحب النفوذ والتأثير الواسع بسبب تاريخه المديد في الحكم. والأكثر أهمّية من ذلك كلّه أنّه يلقى الدعم من المؤسّسة العسكرية، صاحبة الكلمة الأولى. وليس سرّاً أنّ الخيار رسا عليه عام 2019 ليخلف الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، ومرّده أنّه صاحبُ تجربةٍ طويلةٍ في الحكم، فسبق له أن تولّى، في فترات سابقة، رئاسة الوزارة وحقائب وزاريّة عدّة، كما أنّه لا يزال عضواً في جبهة التحرير الوطني، وقد مكّنه ذلك، بمساعدة الجيش، من تصفية مراكز نفوذ التيّار المحسوب على بوتفليقة في الميادين السياسية والاقتصادية والأمنية.
باعتبار أنّ القاعدة التي أوصلت تبّون إلى المنصب في الولاية الأولى لا تزال ساريةَ المفعول، فإنّ فوزَه مُتوقّعٌ من الدورة الأولى، إذ يتنافس مع مُرشّحَين معروفَين في مجال العمل السياسي، لكنّهما لا يمتلكان مصادر الدعم والفرص والأدوات نفسها. الأول، عضو البرلمان السابق المهندس عبد العالي حسّاني شريف، رئيس حركة مجتمع السلم، وهي تنظيم إسلامي مُعتدِل، أسّسه عام 1990 الشيخ محفوظ نحناح، الذي ترشّح للرئاسة عام 1995، وخسر الجولةَ أمام اليمين زروال، ولكنّ الحركة بقيت حاضرةً قوّةً إسلاميةً معتدلةً. والثاني، الصحافي السابق والنقابي يوسف أوشيش عن جبهة القوى الاشتراكية، التي أسّسها أحدُ زعماء حرب التحرير الوطنية حسين آيت أحمد، الذي اختلف مع أوّل رئيسٍ للبلاد أحمد بن بلّة، وعاش في سويسرا حتّى منتصف ثمانينيّات القرن الماضي، وترشّح في وجه بوتفليقة عام 1999، لكنّه لم يفز، ومن بعد ذلك تراجع تأثير حزبه لينحصر في الحاضنة القبائلية.
لم تعد الجزائر من الناحية الرسمية جمهوريةَ الحزب الواحد منذ خريف الغضب عام 1988، إذ جرّدت جبهة التحرير الوطني من هذا الامتياز، الذي تمتّعت به منذ الاستقلال عن فرنسا عام 1962، وفُتِحَ باب التعدّدية السياسية، لكنّ المسار الديموقراطي تعثّر حين تدخّل الجيش عام 1992، وألغى نتائجَ الانتخابات التشريعية، التي تراجعت فيها جبهة التحرير الوطني، وفازت بالأكثرية جبهة الإنقاذ الإسلامية بزعامة عبّاسي مدني، وأدّى ذلك إلى اندلاع عنفٍ أهليٍّ استمرّ قرابةَ عقد، راح ضحيته قرابة 150 ألف شخص، كما ألحق خسائرَ اقتصادية في البنية التحتيّة، بلغت قيمتها نحو 30 مليار دولار. ومع فتح صفحةٍ جديدةٍ بوصول بوتفليقة للرئاسة عام 1999، لم يحدث تحوّل نحو الأفضل، واستشرى الفساد، وتولّت بِطانَتُه مقاليدَ السياسة والاقتصاد.
برهن تبّون، في ولايته الأولى، على التزامه بالتفاهمات مع الجيش، ونجح في إدارة الدولة التي عانت من الفساد، عدا عن قدرته على احتواء الحَراك الجماهيري، الذي كان في أوجه حين وصل إلى الرئاسة، غير أنّ الجزائر سارت بوتيرةٍ بطيئةٍ، واستمرّت تتحكّم بها الآليات القديمة، التي تُحدّد قوانينها المؤسّسة العسكرية، وبقيت أرقام البطالة في تزايد، وخاصّة في أوساط الشباب، ولم تنعكس عائداتُ الغاز والنفط في وضع التنمية والبنى التحتيّة، والأمر ذاته يتعلّق بملفّات السياسة الخارجية. وهنا برز على نحو ملحوظ ارتفاعُ منسوبِ التوتّر مع المغرب وفرنسا، بسبب قضية الصحراء، وخاصّة بعد قرار باريسَ في يوليو/ تمّوز الماضي الاعتراف بمخطّط المغرب للحكم الذاتي أساساً وحيداً لحلّ النزاع.