التهجير القسري.. حجر أساس في المشروع الصهيوني
في المهرجان المُنعقد في يناير/ كانون الثاني الماضي، والذي تخلّله كثير من الحماس والرقص وهتافات المستوطنين الإسرائيليين المُردّدة شعار "الترانسفير فقط يجلب السلام"، اعتلى وزير الأمن القومي الإسرائيلي من اليمين المتطرّف، إيتمار بن غفير، المنصّة ليستذكر مع الحضور قرار فك الارتباط الأحادي الإسرائيلي بتفكيك مستوطنات قطاع غزّة، والذي اتخذه رئيس الوزراء آنذاك، آرئيل شارون، عام 2005. هذا "الحدث" المؤلم و"القرار غير الصائب" الذي كابد آثاره بن غفير شخصياً، يستدعيان (وفقاً له) اتخاذ الخطوة التصحيحية الحتمية بإعادة الاستيطان في القطاع. إذ أكّد بن غفير مراتٍ خلال هذا الخطاب الذي أراده أن يكون عاطفياً على ضرورة تشجيع الهجرة الطوعية للفلسطينيين من القطاع، باعتبارها الحلّ العادل والأخلاقي لإعادة سكان مستوطنات "غلاف غزّة"، وإعادة إعمار المستوطنات المُخلاة، فـ "غزّة جزءٌ من أرض اسرائيل، أرض التوراة".
ذكّرت هذه الدعوات الصادرة، وأخرى مُكثفة سابقة لها، منذ 7 أكتوبر الفلسطيني، بمشاهد تهجير النكبة، فاللجوء، ثم ضياع غالبية الوطن فلسطين منذ 75 عاماً. ولثِقل هذا المشهد، وآثاره في التاريخ الفلسطيني المُعاصر، تناولت مقالاتٌ عديدة مُخطّطات التهجير منذ وقوع النكبة، فما بعدها، حتى بدت الأخيرة (النكبة) كأنّها نقطة ابتداء في تأريخ التهجير القسري الذي تعرّض له الفلسطينيون. في حين تتجذّر المسألة في الفِكر الصهيوني الذي يرتكز مشروعه الاستيطاني في فلسطين على التهجير القسري كإحدى أنجع الأدوات لتحقيق المُنجز المادي لحلم "العودة" اليهودي إلى "أرض الميعاد" أي تأسيس الدولة اليهودية. ولمركزية هذه الأداة في تشكيل الحاضر الفلسطيني التي ما فتِئ التلويح بها في كلّ حين، تتناول هذه المطالعة، بدايةً، مفهوم التهجير القسري، ومن ثم أُسسه في الفكر الصهيوني، مُستذكِراً، في السياق نفسه، أُولى تجارب التهجير القسري "المُلهمة" في فلسطين، والمدى الذي قد نحتاجه لإعادة فحص دقّة المفهوم في توصيف ما جرى ويجري.
في تعريف التهجير القسري
يوضح التعليق العام رقم 7 للجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (التابعة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة) الصادر عام 1997 ماهية الإخلاء القسري باعتباره "طرداً دائماً أو مؤقتاً لأفراد أو أُسر و/ أو مجتمعات محلية ضد إرادتهم من المنازل أو الأراضي التي يشغلونها...". ويندرج تحت مظلّة هذا التعريف التهجير الناتج من هدم المنازل خلال الصراعات الإثنية والسياسية بوصفه من أسلحة الحرب، وأحد أشكال العقاب الجماعي خلال النزاعات المسلحة. ويشكّل تنفيذ التهجير القسري انتهاكاً جسيماً لمجموعة من الحقوق التي ينصّ عليها القانون الدولي لحقوق الإنسان، مثل الحقّ في الحياة والسكن وأمن الحيازة، وكذلك انتهاكاً للالتزامات (الإيجابية والسلبية) التي تنصّ عليها أحكام القانون الدولي الإنساني، تحديداً اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 وبروتوكولاتها الإضافية لعام 1977 التي تحظر تهجير السكّان المدنيين قسراً. في المقابل، وضمن سياقاتٍ وشروطٍ معينة، يُعتبر التهجير من الجرائم الأشدّ خطورة التي تدخل ضمن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، تحديداً جريمة الحرب والجرائم ضد الإنسانية، متى ما أُثبت ارتكابها في إطار سياسة عامة، أو على نطاقٍ واسعٍ ومنهجي، ضد مجموعة عرقية أو إثنية معينة، استناداً إلى نصوص نظام روما الأساسي للمحكمة، وهو ما يُشكّل، في حال تحقق الأركان المادية والمعنوية للجرائم المذكورة، أساس المسؤولية الجنائية الفردية لملاحقة المسؤولين الذين يُثبت تورّطهم في ارتكابها. هذا بالإضافة إلى أنّ إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية لعام 2007 قد أكّد على عدم جواز ترحيل الشعوب الأصلية قسراً من أراضيها أو أقاليمها.
"على العرب أن يرحلوا"
يستعرض مؤسس الصهيونية وزعيمها، ثيودور هرتزل، في يوميّاته التي حرّرها أنيس صايغ، تصوّراته عن كيفية تأسيس الدولة اليهودية في فلسطين التي يَعتبر احتلالها "عملية شرعية يجب أن تتم بشراء وتملك الأراضي... بحيث نشجع فقراء السكّان على النزوح إلى البلدان المجاورة الملاك الفقراء إلى بلاد مجاورة... فيما يُشترى من الملّاك الأغنياء ممتلكاتهم"، وذلك بغرض تحقيق المخطّط الصهيوني النهائي المتمثل بـ "إسكان فلسطين بالشعب اليهودي العائد". ولتحقيق هذا المخطّط، برزت، بالتوازي، مسألة مهمة أقلقت مضاجع الصهيونيين، فها هو اليهودي الصهيوني الإنكليزي، يسرائيل زانغويل، يُسلّط الضوء في كتابه "صوت القدس" الصادر عام 1921 على مسألة التفوّق العددي للعرب في فلسطين باعتباره عائقاً أمام إقامة وطن قومي لليهود وفقاً لوعد بلفور الصادر عام 1917، ويُعبّر عن هذه المسألة التي تؤرّقه في طيّات صفحات كتابه قائلاً "يستحيل أن تكون فلسطين لشعبين اثنين... فالأرض إنما تنتمي إلى عنصر اثني واحد". ولذلك كان على العرب (حسب وجهة نظره) ومن منطلق أخلاقي العودة إلى مراكز المدن العربية التاريخية، كدمشق وبغداد وشبه الجزيرة العربية.
يعمل الاحتلال على إحداث بيئة قسرية خانقة حول الفلسطينيين لدفعهم بالمحصلة إلى ترك ممتلكاتهم وأرضهم
لم يكن زانغويل الوحيد الذي يقلقه الميزان الديمغرافي المائل لصالح السكّان العرب في فلسطين أو ما عُرف في الأدبيات الصهيونية بالمسألة العربية، حيث يُلاحظ، وبشكل مُبكّر من تاريخ تأسيس الصهيونية، سيطرة هذا الهاجس على مفكّريها وأبرز زعمائها الذي أنتج اتفاقاً فيما بينهم، مُلخّصه ضرورة ترحيل العرب حتى تصبح "فلسطين يهودية كما هي إنكلترا إنكليزية أو أميركا أميركية" كما يبيّن رئيس المنظمة الصهيونية العالمية، حاييم وايزمان، في خطابٍ له عام 1919 أمام الاتحاد الصهيوني الإنكليزي. بعد سنوات عديدة، تحديداً عام 1937، سيُفصح ديفيد بن غوريون، أحد أبرز القادة الصهيونيين في فلسطين عن رأيه في التهجير القسري للعرب الفلسطينيين في خطابه أمام اللجنة التنفيذية للوكالة اليهودية قائلاً "أؤيد الترحيل القسري ولا أرى فيه شيئاً غير أخلاقي"، موجزاً في رسالة إلى ابنه عن اختلاجات قلبه قائلاً "على العرب أن يرحلوا". شكّلت الأعوام الفاصلة بين هرتزل وبن غوريون سجالاً فكرياً بين المفكّرين الصهيونيين على الآلية والكيفية لتنفيذ التهجير الذي اعتُبر استراتيجية وحجر أساسٍ لإقامة الدولة اليهودية في فلسطين، كما يتتبع ذلك المؤرخ الفلسطيني نور الدين مصالحة في كتابه "طرد الفلسطينيين: مفهوم الترانسفير في الفكر والتخطيط الصهيونيين"، فالفكرة ركيزةٌ أساسيةٌ في المشروع الاستيطاني الصهيوني الذي يقوم على ثالوث: الاستيطان في الأرض و"إعادة" اليهود إلى "أرض الميعاد" والتهجير القسري للعرب الفلسطينيين. في حين لا يمكن فهم هذا المشروع إلا من خلال استيعاب طبيعة الصهيونية كأيديولوجية "تسعى إلى إعادة تكوين الحقائق الإثنية - الدينية والديمغرافية في فلسطين وجعلها يهودية" كما كتب مصالحة، ولذلك لم يكن لهذا المسعى أن يتحقّق من دون تغيير الميزان الإثني في فلسطين.
تبلور السجال الفقهي المذكور في ثلاثينيات القرن الماضي إلى مرحلة وضع الخطط التنفيذية لتهجير العرب، والتي مرّت عبر مشاريع ومسوّدات لخطط عديدة انتهت بخطّة "دالت" المُعدّة بناءً على معرفة استعمارية تفصيلية لكل قرى فلسطين ومدنها، حيث عكف على إعدادها سنوات طويلة متخصّصون صهيونيون في كل المجالات كالجغرافيا والتاريخ والجيولوجيا والعسكرية، إذ تضمّنت الخطة وصفاً دقيقاً لكلّ القرى من حيث: نوع التربة والمحاصيل وعدد الأشجار في المزارع، وتحديد مواقع أحياء الأغنياء والفقراء، وأسماء كلّ حمولة وانتماءاتها السياسية، ومواقع بيوت المخاتير والجوامع، وعدد الحرّاس وكمية الأسلحة الموجودة ونوعيتها. وفي شقٍّ آخر منها اشتملت على وسائل التنفيذ العنيفة التي ستحقّق النتائج المرجوّة، ثم وُزّعت المناطق لاحقاً على قادة المليشيات الصهيونية لوضع الخطة موضع التنفيذ.
التجربة المُلهمة في صرفند الخراب
شهد التاريخ الفلسطيني المعاصر مجازر عديدة على أيدي قوات الاستعمار البريطاني والصهيوني، والتي بقيت، بسبب وحشيتها، حاضرة في ذاكرة الفلسطيني، ومن أشهرها: دير ياسين عام 1948 وكفر قاسم عام 1956، في حين لفّ النسيان مجازر أخرى لا تقل فظاعة عنهما، ومنها صرفند الخراب، التي تعدّ إحدى المجازر المبكّرة والمروّعة في فلسطين، والمهمّة في الوقت نفسه باعتبارها نموذجاً تمهيدياً لما جاء بعدها. تقع صرفند الخراب أو صرفند الصغرى في قضاء الرملة، حيث امتازت هذه القرية الساحلية بتربتها الخصبة وجودة محاصيلها من الحمضيات بالإضافة إلى موقعها الاستراتيجي على الطريق العام بين يافا والرملة، وقد شكّلت هذه الميزات مجتمعةً عوامل جذب اقتصادية للمستوطنين الصهيونيين في فلسطين. كانت القرية التي هُجّرت عام 1948، قد عاشت تجربة تهجير مبكّرة عام 1918 حينما ارتكبت فيها القوات الإنجلو صهيونية مجزرة قُتل خلالها عشرات من الرجال الذين ألقيت جثثهم في بئر القرية، فيما هجرها الآخرون الأحياء أو أقام بعضهم مؤقتاً في القرى المُتاخمة. بعد سنوات قليلة، أُهلت القرية مرّة أخرى، فعاد بعضٌ من سكّانها وأقاموا فيها حتى التهجير الثاني خلال نكبة عام 1948، كما يورد المؤرّخ الفلسطيني وليد الخالدي في كتابه "كي لا ننسى"، والذي يوّثق فيه قرى فلسطين التي دمّرتها إسرائيل سنة 1948.
لفّ النسيان مجازر كثيرة ومنها صرفند الخراب، التي تعدّ إحدى المجازر المبكّرة والمروّعة في فلسطين
شكّلت المجزرة المرتكبة في القرية التي مُسحت آثارها تماماً، أهميةً خاصةً من حيث كونها "أول عملية تهجير في الزمن الأنكلو- صهيوني، لتكون أولى التجارب المبكّرة الناجحة والملهمة في الذبح والترويع، فالتهجير للفلسطينيين مشكلة في ذاتها حال تمت محاكاتها وتطويرها وتطبيقها على نطاق أوسع خلال نكبة 1948". وذلك كما يوضح الباحث الفلسطيني خالد عودة الله في محاضرة له عن مجزرة القرية التي شكّلت الأصول الإمبريالية للمجزرة الصهيونية في فلسطين.
ما بين التهجير القسري والتطهير العرقي
جرى تنفيذ مخطّط التهجير القسري، أو ما يُطلق عليه أحياناً الترانسفير بشكل منهجي وواسع النطاق في فلسطين، بعد قرار تطبيق الخطّة "دالت" في مارس/ آذار 1948. وبالفعل، تم البدء فوراً بمهاجمة القرى والمدن الفلسطينية وترويع أهاليها وذبحهم بأساليب اتفُق عليها مسبقاً مثل: نسف الأحياء وإعدام المدنيين وتدمير القرى، الأمر الذي ترتّب عليه تهجير ما يقارب ربع مليون فلسطيني قبل بدء الحرب في مايو/ أيار 1948 بين الدولة الجديدة (إسرائيل) وجيوش الدول العربية، وقد هدف ذلك كلّه إلى تحقيق غاية واحدة: أن تكون فلسطين لليهود حصراً.
من جهة أخرى، يدعونا المؤرّخ الإسرائيلي اليساري، إيلان بابيه، في كتابه "التطهير العرقي في فلسطين" إلى التفكّر الحقيقي بتوصيف ما جرى خلال النكبة وإعمال المفاهيم التوصيفية الصحيحة التي سترتّب بالتالي معالجاتٍ مختلفة على صفحات كثيرة، وأهمها التاريخ، حتى لا تُدفن المظلمة التاريخية التي لحقت بالشعب الفلسطيني خلال النكبة، وتعاونت القوى المختلفة منذ 75 عاماً على طمسها وإسقاطها عن عمدٍ من معجم مذابح التاريخ المعاصر ومظالمه، ولذلك يُصر بابيه على تجاوز حدود مفهوم التهجير إلى مفهوم التطهير العرقي، فالأوّل لم يكن إلا وسيلة لتحقيق الثاني باعتباره الهدف الحقيقي، والذي صدر عن دراسة وقرار صهيوني نافياً الرواية الصهيونية التي تقدّمه (التهجير) نتيجة متوّقعة لمجرى الأعمال الحربية.
يواجه الفلسطيني المخطّطات والسياسات التهجييرية ويحاربها بسلاح الفراغ، فأدواته ومؤسّساته وحشده يعوزها الكثير من الفاعلية والجدّية والمنهجية
تُشكّل الإحاطة بكامل أبعاد التطهير العرقي أهمية بالغة في ضبط مجريات الماضي وتداعياته على الحاضر والمستقبل، إذ تتجاوز الصورة المباشرة المتمثلة بإحلال جماعةٍ عرقيةٍ مكان أخرى إلى أبعاد أكثر عمقاً وتركيباً من حيث ممارسة المحو والإخفاء المنهجيين تجاه الوجود الفلسطيني العربي على الأرض بكلّ مكوّناته وعناصره، ابتداءً من اجتثاث العنصر البشري، فالتراث الثقافي المادي وغير المادي واللغة، ليبلغ هذا المحو دورة اكتماله بإزالة هذه العناصر جميعها (المُشكلة فسيفساء الوجود) في أثناء إعادة كتابة التاريخ والرواية.
هل نسي الفلسطيني؟
صدر في العام 2018 قانون أساس "إسرائيل دولة قومية للشعب اليهودي"، والذي حدّد، ضمن مبادئه الأساسية، أنّ إسرائيل "وطن قومي للشعب اليهودي فقط... وأن الاستيطان قيمة وطنية يتم تشجيعها وترسيخها"، تستند هذه الدولة إلى معول الاستيطان أداة رئيسية لتثبيت الوجود اليهودي على الأرض بواسطة تفريغها من مالكيها الفلسطينيين العرب، وذلك عبر انتهاج شكليْن من ممارسات التهجير. الأول: سياسات التهجير المصمّمة خصيصاً لكلّ منطقة جغرافية، والتي تعمل على خلق بيئة قسرية خانقة حول الفلسطينيين لدفعهم بالمحصلة إلى ترك ممتلكاتهم وأرضهم، وطبع سلوكهم هذا بطابع الهجرة الطوعية، وهي سياساتٌ أقلّ صخباً ودموية من الشكل الثاني الذي يجري تمريره بواسطة مخطّطات تهجير كبيرة خلال ظرف سياسي ما شديد الحرج والتعقيد تستهدف، في صميمها، جماعة عددية مهولة، وذلك لاستكمال تنفيذ مخطّط التطهير العرقي القديم ــ الجديد، تماماً كما هو جارٍ حالياً في قطاع غزّة. في المقابل، يواجه الفلسطيني هذه المخطّطات والسياسات التهجييرية ويحاربها بسلاح الفراغ، فأدواته ومؤسّساته وحشده يعوزها الكثير من الفاعلية والجدّية والمنهجية بما يتناسب مع حجم الخطر الوجودي الحقيقي الذي تحمله (هذه السياسات) من دون أيّة توريات أو مبالغات لغوية.
شهد التاريخ الفلسطيني المعاصر مجازر عديدة على أيدي قوات الاستعمار البريطاني والصهيوني، بقيت حاضرة في ذاكرة الفلسطيني
يقول المفكّر الإسلامي والرئيس البوسني الراحل، علي عزّت بيغوفيتش، "عليكم أن لا تنسوا المجزرة مهما حصل، لأنّ المجزرة التي تُنسى تتكرّر"، فهل من المعقول أن الفلسطينيين نسوا المجزرة الأولى والتهجير الأول إلى الدرجة التي مهدت لمجزرةٍ يُراد لها أن تنتهي بتهجير أهل قطاع غزّة وتطهيره منهم؟ ولماذا نسينا؟ وكيف تكون الدعوة إلى محاربة النسيان: بالاستذكار الكرنفالي السنوي أم بالعمل المنهجي؟
حريٌ بالفلسطينيين الإجابة عن هذه الأسئلة في لحظة مُكاشفة صادقة تستدعيها المرحلة الحرجة الراهنة، للخروج من نمط حالات الشعور بغبن المفاجأة والصدمة وردّات الفعل المُتقطعة في مواجهة السياسات الإسرائيلية التي مورست، وما زالت، لمحو الوجود الفلسطيني العربي في فلسطين، من خلال أبرز أدواتها المتجلية في الاستيطان- التهجير، والذي تتجاوز أولى حالاته التطبيقية التهجير الذي حدث خلال النكبة، ذلك أنّ الرؤى الاستيطانية أقدم، والتطلّعات التهجيرية ثابتة وبنيوية في الفكر الاستيطاني الصهيوني الذي بدأ مع وصول أولى طلائع المستوطنين إلى فلسطين في القرن التاسع عشر.