التغيير الممنوع في اليمن
مرّ تقريبا نحو عقد ونيف على الثورة السلمية الشبابية في اليمن، كما مرّ نحو عقد ونصف العقد من ثورة الحراك السلمي في جنوب البلاد. وكل ما تحقق لتلك الثورة الشبابية أن علي عبدالله صالح وعائلته ذهبوا عن السلطة، وبقي حزبه شريكاً فيها. وكل ما تحقق لثورة الجنوب، أن الجنوب تحرّر من قوات نظام صالح التي فرضت عليه وضعاً بغيضاً منذ حرب صيف 94 المشؤومة، لكن التغيير إلى الأفضل لم يتحقق، كما كانت تنشده الثورتان وتتطلع إليه الجماهير.
لا يزال معظم الشمال بيد جماعة الحوثي الكهنوتية، ومعظم الجنوب بيد أبنائه، وبيد السلطة القائمة في عدن (المجلس الانتقالي والشرعية)، لكنه يعيش أزماتٍ متفاقمة منذ سنوات، أبرزها الأزمة الاقتصادية الناشئة عن تدهور صرف العملة المحلية مقابل النقد الأجنبي التي نتج منها ارتفاع أسعار السلع الغذائية والاستهلاكية والمحروقات والمواصلات وغيرها.
لم يحدث أي تغيير حقيقي في حياة الناس، بل ازدادت الأوضاع سوءا، فالتغيير الذي حدث في الوجوه فقط لم يقد إلى تغيير في الإدارة وفي تحسّن معيشة الناس، وبالتالي هو تغيير ناقص لا أهمية له ولا قيمة.
لا يزال التغيير الحقيقي ممنوعا في اليمن كما يبدو. لقد بشّر مجلس القيادة الرئاسي فور إعلان تشكيله في إبريل/ نيسان 2022 بالتغيير وإيجاد حلول لقضايا الناس المهمة والعالقة والمتراكمة، وأولها قضية الاقتصاد المنهار والخدمات المعدومة، لكن ذلك لم يتحقق، رغم مرور ستة أشهر ونيف من يوم تسلم المجلس مهامه.
بشّرت الحكومة أيضا، قبل ثلاث سنوات ونيف، بأنها تمتلك مشروعا لحل المشكلات العالقة، وتحسين معيشة الشعب والخدمات الضرورية، غير أن وعودها ذهبت أدراج الرياح هي الأخرى، وأصبحت عاجزة عن فعل شيء، وهي ترى الانهيار يحدُث يوميا أمام أعينها ولم تحرّك ساكنا.
التغيير الذي حدث في الوجوه فقط لم يقد إلى تغيير في الإدارة وفي تحسّن معيشة الناس
يدفعنا هذا كله إلى التساؤل: هل التغيير في اليمن ممنوعٌ، ومن الذي يمنعه؟ ما يحدُث أمر عجيب، وكان في الأمر شيء غير طبيعي، إذ لم تُحدث السلطات المتعاقبة التغيير الذي وعدت به، ولم تستطع منع التردّي الذي يعطّل المؤسّسات، ويهدّد البلد وجوديا.
من يمنع التغيير في اليمن، لا سيما في المناطق المحرّرة؟ هل السلطات لا تريد التغيير والإصلاحات، أم هناك قوى خارجية تمنع إحداث تغيير حقيقي ومنطقي في البلد، وتمنعه من التحرّك والنهوض للاعتماد على نفسه؟ هناك شيء غير مفهوم يحدُث في هذا البلد الجميل والغني يؤخّر ازدهاره وتقدّمه واعتماده على إمكاناته الذاتية، لا نستطيع إلا أن نقول إن التغيير ما زال ممنوعا في اليمن، ولكن إلى متى؟ ربما إلى أن تتوفر قيادة وطنية غير مرتهنة للخارج، تستطيع كبح التدخلات الخارجية في البلد التي يرى يمنيون كثيرون أنها السبب خلف كل ما يحدُث، ولكنها قطعا ليست السبب كله، لأن اليمنيين يتحمّلون أيضا جزءا من المسؤولية عما يجري في بلدهم، وما يعانيه شعبهم.
كان الناس يأملون أن تتحوّل عدن والمناطق المحرّرة إلى نموذج ملهم في النجاح والتنمية، ولكن السنوات مرّت منذ التحرير تقدّر بثماني سنوات، ولم يتحقق شيء على الأرض وفي حياة الناس، بل ازداد الوضع سوءا وتوسّعت رقعة المعاناة.
تتحمّل السلطات المتعاقبة في البلد، إلي جانب "التحالف" مسؤولية ما يحدُث. لا يمكن إعفاؤهما من المسؤولية ورميها على جهات أخرى أو على الأشباح عليهم ان يعترفوا أنهم فشلوا أولا وأخيرا، ولا يزال الوقت أمامهم للإصلاح إن أرادوا.