البحث عن بديل يشبه مفيد فوزي

03 يونيو 2021
+ الخط -

في أوقات الأزمات يتعب الخيال، ويبحث عن بدائل "كلامية" لسدّ حاجة الشعب المصري من الفضول والترقب، وخصوصاً بعدما بدأت إثيوبيا بالفعل في الملء الثاني لسدّ النهضة في السادس من الشهر الماضي (مايو/ أيار)، ولا حتى راعت العمليات العسكرية المشتركة ما بين مصر والسودان بالقرب من حدودها، ولا راعت حتى الجنّ، فهل سوف تُجدي زيارة الرئيس جيبوتي أخيراً في شيء؟ أم أنّ كلّ الأمور قد انتهت، وما على الشعب سوى انتظار أحاديث محمد حسنين هيكل المسرّبة من نعيم الجنة أو قصر برقاش، أو تجديد عقد من التلفزيون المصري لشخص آخر يشبه مفيد فوزي، لامتصاص غضب الشارع من أمام المخابز ومكاتب البريد؟

هل من حيلة ما تلفزيونية لتحريك شبيه مفيد فوزي، واحد يشبه مفيد فوزي من دون أن يكون هو، ويرتدي باروكة من دون أن تكون باروكة مفيد، ويكون اللقاء، ككلّ لقاءات مفيد، تسبقها إعلانات بالزهور في كلّ محطات رجال الأعمال ليلاً، بجوار حمامات السباحة وعصافير الجنة، وخلفية ناعمة من صوت فيروز، كعادة مفيد مع كلّ الرؤساء في أوقات غضب الشارع، كي تهدأ الجماهير وتطمئن على قوة المسيرة، وتعطي فرصة للقيادة، للحلول المناسبة والحاسمة في الوقت والمكان المناسبين.

كان النيل بالأمس كما رأيته صباحاً والله في قمّة روقانه، وقد أغرق الجزيرة الصغيرة "جزيرة قلبي من خمسين سنة" عن بكرة أبيها وأمها، والطيور تطير وتحطّ فوق الماء وأعناق الشجر والنخيل والغربان من كلّ لون، وكم كانت جميلة، والأزهار فاقعة ومغناجة، هل تلك هي الجنة، وكما قال المؤرخون إنّ ذلك النهر قد نبت من الجنّة، فكيف حطّت السياسة بعرجها وتغطية انقلاباتها على كلّ ذلك السحر؟ ولماذا نسينا "شبيه مفيد فوزي بباروكته"، بجوار حمّام السباحة والعصافير؟

واضحٌ أنّ الكاميرات منصوبة، وشبيه مفيد فوزي جاهز الآن بكلّ المُحن (بضم الميم)، في أوراقه من الليل. المُخرج لن ينسى أبداً، وحامل الكاميرا لن ينسى هو الآخر الخاتم في أصبعه، ولا فص الخاتم، كما فعلت ساندرا نشأت. بدا شبيه مفيد خائفاً إلى حد ما، وهو يتأمل المشهد، وقد ارتبك ارتباكة متعمّدة لزوم مواجهة الفخامة أو الإقدام عليه، فطبطب عليه الأب الرئيس بيده التي فيها الخاتم، كي يخفف من روعه، فارتاح المذيع الذي يشبه مفيد. إذاً، واضح جداً أنّ الخاتم فيه أسرار وبركاتٌ تخفّف من اضطراب المذيعين، وإلّا ما أشارت السيدة ساندرا نشأت إليه، وكتمت بالطبع عن الأعداء باقي أسرار الخاتم، كان اللقاء صغيراً جداً، لأنّ البلاد في خطر ولا يحتمل أمر النيل، العزيز على أرواح الملايين، الكلام الكثير واللتّ والعجن بالطبع. إنّها الكلمات الحاسمات، في آخر مخاض للوطن والنيل معاً، فخامتك أرى علاماتٍ من التأمل العميق واضحةً على محياك، فهل كلّ هذا الحزن على النيل فقط أم هناك أشياء أخرى؟ أبداً، النيل مكانه، ولن تحرّكه من مكانه أيّ قوة في العالم، طالما هذا الشعب "كده" كوّر الرئيس بالطبع قبضته كالعادة، فسارع شبيه مفيد في تقليد الحركة نفسها، فضحك الرئيس حتى بانت نواجذه، فأكمل لشبيه مفيد قائلاً: "على فكرة كلّنا كده، وبكرة تشوفوا كلامي". وسريعاً ظهرت من خلف الرئيس طفلة جميلة جداً، وقدّمت للريس وردة، فقبلها الرئيس على خدّيها وأجلسها قريباً منه، تداعب الأشياء حتى وصلت إلى الخاتم، والرئيس يبتسم، وشبيه مفيد يتعجّب. وفي النهاية، اتضح أنّها طفلة لأحد شهداء سيناء، وقد طلبت الطفلة بنفسها حضور لقاء الرئيس مع شبيه مفيد فوزي، فحقّق لها الرئيس أمنيتها في آخر لحظة، على الرغم من أهمية الحديث.

ضحك الرئيس بعد مغادرة الطفلة المشهد، فقال شبيه مفيد: من ابتسامات فخامتك، عرفت وأدركت وتحققت وآمنت، رغماً عن أنف كلّ ما قيل ويقال وسيقال، أنّ في بطن فخامتك بطيخة صيفي... فضحك الرئيس ضحكة عريضة، وقال: قل عشرين أو ميّة، أو قل ما تستطيع، لكن، ما كلّ ما نمتلكه يُعلن، وما كلّ ما يحفظ في السريرة يقال، ولكلّ حدثٍ حديث.

720CD981-79E7-4B4F-BF12-57B05DEFBBB6
عبد الحكيم حيدر

كاتب وروائي مصري