الانقلابات ليست الحلّ

01 سبتمبر 2023
+ الخط -

تكرّ سبحة الانقلاب في دول غرب أفريقيا ووسطها. تشير تقارير الرصد التي نشرتها الوكالات في اليومين الماضيين إلى تسجيل ثمانية انقلابات في المنطقة خلال سنوات، لتشمل الغابون وقبلها النيجر وغينيا، وتشاد. بلدان مثل مالي وبوركينا فاسو شهدت انقلابين، ولذلك يجوز الحديث عن موجة في القارّة. يصوّب الانقلابيون بشكل رئيسي في تبرير انقلاباتهم على جملة أزمات تنخر بلدانهم: فساد السلطة الحاكمة، انتخابات غير نزيهة، عدم الرضا عن الوضع السياسي القائم، والأهم فرنسا بوصفها المذنب الرئيس الذي يتحمّل مسؤولية الوضع الذي آلت إليه بلدانهم. ما يمكن ملاحظته أيضاً أن هذه البلدان تشهد غياباً للاستقرار الأمني، إما بفعل العنف الذي تقف خلفه جماعات جهادية أو حركات انفصالية ومليشيات. ومع ذلك، يميل الانقلابيون في الدول التي تنتشر فيها بعثات حفظ سلام أممية إلى طلب سحبها.

ما يجري في غرب أفريقيا ووسطها في السنوات الأخيرة ليس استثناء، إذ لم تكن دول أفريقية كثيرة في منأىً عن الانقلابات منذ استقلالها تباعاً. لكن وتيرة الانقلابات تتسارع مدفوعةً بأكثر من عامل، أولها ضعف فرنسا وانكسارها في القارّة الأفريقية، الانقسامات التي تعصف بالدول الأفريقية وغياب القدرة على اتّخاذ مواقف موحّدة للرد على الانقلابات، إذ إن العقوبات وتعليق العضوية ليست ذات مفعول كبير. والتدخّل العسكري، كما طرح في حالة النيجر أخيراً، تبين أن دونه عقبات. وإذا كان انقلابيو النيجر قد سارعوا إلى الاستعانة بنظرائهم في بوركينا فاسو ومالي لمواجهة أي تدخّل عسكري محتمل على اعتبار أن تدخّلا كهذا إن تم ستطاولهم تداعياته، فإنهم بعد انقلاب الغابون قد تنفّسوا الصعداء على الأرجح. كذلك يبرُز موقف أميركي مهادن للانقلابيين، إذ إن دعوة الولايات المتحدة إلى عودة السلطة المدنية لم تمنعها من الحوار مع الانقلابيين. ويبدو أن هذا الموقف مدفوعٌ بأولويات واشنطن في المنطقة، والتي يتصدّرها الأمن ومكافحة الإرهاب.

كما أن في إمكان الانقلابيين الاتّكال على الدعم الروسي، مؤسّسات رسمية أو عبر "فاغنر". يمكن التوقف عند ما جرى في مجلس الأمن يوم الأربعاء الماضي، عندما استخدمت روسيا حقّ النقض (الفيتو) لإسقاط جميع عقوبات الأمم المتحدة على مالي، وإنهاء تفويض لجنة الخبراء التي تُصدر تقاريرها بشأن الوضع في هذا البلد، وسبق أن انتقدت "فاغنر" وانتهاكاتها.

لكن هل فعلاً تغيّرت الأحوال في البلدان التي شهدت انقلاباتٍ نحو الأفضل أو حتى استقرّت نسبياً؟ متابعة ما يجري في مالي تتيح الخروج بخلاصة أن الأمور نحو الأسوأ وبأشواط. أقله هذا ما يُخبرنا به أحدث تقرير لخبراء الأمم المتحدة، إذ يضاعف تنظيم داعش مساحات سيطرته، وتقدّم الجماعات المحسوبة على تنظيم القاعدة نفسها حامية للسكان، وهو ما يُنظر إليه وصفة لكارثة مقبلة. ويتكرّر الأمر نفسه في بوركينا فاسو التي خلفت فيها أعمال العنف على مدى السنوات الثماني الماضية أكثر من عشرة آلاف قتيل بين مدنيين وعسكريين ونحو مليوني نازح. وتظهر خريطتان نشرهما المركز الأفريقي للدراسات الاستراتيجية قبل أيام كيف أن الرقعة الجغرافية لهجمات الجهاديين تمدّدت عبر البلاد منذ الانقلاب الأول في يناير/ كانون الثاني 2022 قبل أن يليه الانقلاب الثاني في سبتمبر/ أيلول من العام نفسه. كما تظهر عملية الرصد تضاعف أعداد القتلى ثلاث مرات منذ الانقلاب، وأن 800 ألف مواطن يعيشون تحت حصار المليشيات.

التمعّن في حال البلاد الأخرى لن يُظهر نتائج أفضل، لا في شأن الوضع الأمني ولا حتى في شأن الوضع السياسي، إذ مع كل انقلاب تصبح عودة الحياة السياسية والدستورية أكثر صعوبة، والوضع الأمني يزداد خطورة.

جمانة فرحات
جمانة فرحات
صحافية لبنانية. رئيسة القسم السياسي في "العربي الجديد". عملت في عدة صحف ومواقع ودوريات لبنانية وعربية تعنى بالعلاقات الدولية وشؤون اللاجئين في المنطقة العربية.