الانتخابات الليبية تسبقها جدالات ومخاوف

16 نوفمبر 2021
+ الخط -

بدأت معركة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في ليبيا مع إعلان المفوضية الوطنية العليا للانتخابات فتح باب الترشّح للانتخابات الرئاسية من 8 إلى 22 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، والانتخابات النيابية من 8 إلى 17 ديسمبر/ كانون الأول المقبل، واعتبارها "البداية الحقيقية للعملية الانتخابية"، على الرغم من استمرار حالة من الخلاف والجدل بشأنها بين الأطراف والقوى الليبية، وخصوصا فيما يتعلق ببعض مواد قانون الانتخابات، وعدم وجود قاعدة دستورية تجري بمقتضاها الانتخابات التشريعية والرئاسية، وذلك بعد أن بات مسلماً به إجراء الانتخابات الرئاسية في 24 من ديسمبر المقبل والانتخابات البرلمانية بعدها بشهر. وليس خافياً أن الضغط الدولي هو الدافع الأساس لمسار التسوية الراهن في ليبيا، وخصوصا من الولايات المتحدة التي حشدت تأييد بعض الدول الأوروبية بشأن موقفها المتمحور حول ضرورة إجراء الانتخابات في الموعد الذي حدّده ملتقى الحوار السياسي الليبي، بوصفها أمراً ضرورياً لاستمرار تهدئة الأوضاع في ليبيا، وللاحتكام إلى نتائجها من أجل إنهاء الصراع حول الشرعية، فيما لم تجد مختلف الأطراف الليبية سوى الرضوخ للمواقف الدولية، وراحت تطالب بإجرائها في العلن، والتحذير من عواقب تأجيلها، لكنها كانت تعمل في الخفاء على إعاقتها بكل السبل، نظراً إلى أن نتائجها غير محسومة بالنسبة إليها، وقد تأتي نتائجها في عكس ما تطمح إليه.

مؤتمر باريس لم يحمل أي جديد بخصوص التوافق على التشريعات الانتخابية، وقضية خروج المرتزقة والقوات الأجنبية من الأراضي الليبية

وفي ظل استمرار الجدل بشأن بعض مواد قانون الانتخابات الرئاسية الذي أعلنته المفوضية العليا للانتخابات، عقدت فرنسا مؤتمراً دولياً حول ليبيا، لـ"جعل العملية الانتخابية غير قابلة للطعن ولا عودة عنها وضمان احترام نتيجة الانتخابات". وخرج المؤتمر بالتأكيد على ضرورة إجرائها بأي ثمن، مع التلويح بإمكانية محاسبة "الأفراد أو الكيانات داخل ليبيا أو خارجها، التي قد تحاول عرقلة العملية الانتخابية والانتقال السياسي أو تقوضهما، أو تتلاعب بهما أو تزورهما، بأنها ستخضع للمساءلة، وقد تُدرج في قائمة لجنة الجزاءات التابعة للأمم المتحدة"، بينما لم يأخذ المؤتمر بالحسبان مخاوف الليبيين من إمكانية حدوث عمليات تزوير وترهيب الفصائل المسلحة والمليشيات إرادة الناخبين، إضافة إلى أن المؤتمر لم يحمل أي جديد بخصوص التوافق على التشريعات الانتخابية، وقضية خروج المرتزقة والقوات الأجنبية من الأراضي الليبية، حيث لجأ المؤتمرون في باريس، في بيانهم الختامي، إلى التلطي وراء اللجنة العسكرية المشتركة في تبني خطتها بخصوص سحب المرتزقة والقوات الأجنبية، من دون تحديد سقف زمني أو التهديد بالعقوبات، واكتفوا بالإعراب عن دعمهم التام "خطة العمل الشاملة لسحب المرتزقة والمقاتلين الأجانب، والقوى الأجنبية من الأراضي الليبية، التي أعدّتها اللجنة العسكرية المشتركة التابعة للحوار (5 + 5)".
ويبدو أن الدول المتدخلة في الشأن الليبي تركز على العملية الانتخابية بذاتها، بصرف النظر عن مقوّمات نجاحها ونزاهتها وعن توافق جميع القوى عليها، لذلك لم تتطرّق في مؤتمر باريس إلى المادة 12 المثيرة للخلاف من قانون انتخابات الرئاسة، والتي تقوّض فرص المشاركة في الانتخابات الرئاسية أمام رئيس الحكومة الحالي، عبد الحميد الدبيبة، نظراً إلى أنها تمنع شاغلي المناصب السيادية في الدولة حالياً من الترشّح للانتخابات الرئاسية، إذا لم يجمّدوا مهامهم قبل موعد الانتخابات بثلاثة أشهر. إضافة إلى عدم تفعيل المادة الخاصة بمزدوجي الجنسية التي تشترط بالمترشّح لانتخابات الرئاسة عدم تمتعه بجنسية دولة أخرى عند ترشّحه، وكذلك الأمر بالنسبة لوالديه وزوجته، وأرجعت أطراف ليبية عدم تفعيلها إلى إتاحة مجال الترشح للرئاسة أمام خليفة حفتر المدعوم من قوى دولية وإقليمية.

إجراء الانتخابات وسط حقول من الألغام قد يُفضي إلى نتائج عكسية، وتنذر بالعودة إلى الاحتراب

وعلى الرغم من اعتراض 56 نائباً ليبياً على المادة 12 المثيرة للجدل في القانون الانتخابي، ومطالبتهم بتعديلها، والتي وصفها رئيس الحكومة بأنها "تمييزية ومنتهكة مبدأ تكافؤ الفرص"، إضافة إلى رفض بعض أعضاء مجلس الدولة، إلا أن المفوضية العليا للانتخابات تصرّ على إبقاء قانون الانتخابات الذي أعلنته من دون تعديل، الأمر الذي ينذر بزيادة تعقيدات المشهد الليبي، وربما ينساق نحو الأسوأ.
وبالنظر إلى تعقيدات الملف الليبي، والخلافات التي لا تزال قائمة بين إقليمي الشرق والغرب، والمتعلقة أيضاً بالانتخابات وقانون الترشّح، إضافة إلى خلافات المجلس الرئاسي والحكومة، فإن آمال الليبيين في الخلاص من سنوات الفوضى السياسية، عبر إجراء انتخابات ذات مصداقية ونزيهة في نهاية العام الجاري، قد وصلت إلى نقطة حاسمة، في ظل عجز المجتمع الدولي عن تأمين ظروف طبيعية للانتخابات، وعدم قدرته على إخراج القوات أجنبية والمرتزقة من فوق الأراضي الليبية، وعدم سحب الأسلحة الثقيلة من المدن. وبالتالي، تشير مؤشّرات عدة إلى أن إجراء الانتخابات وسط حقول من الألغام قد يُفضي إلى نتائج عكسية، وتنذر بالعودة إلى الاحتراب والصراع العسكري مجدّدا أو إلى التقسيم.

الأمل معقودٌ على قدرة الشعب الليبي في قول كلمته في الانتخابات، كي يُمسك بزمام المبادرة عبر إبعاد جميع وكلاء القوى الأجنبية

ومع إصرار ساسة الدول المتدخلة في ليبيا على المضي في العملية الانتخابية، فإن شكوكاً عديدة تطاول قدرة السلطات الليبية على إجراء انتخابات حرّة ونزيهة، في غياب التوافق بين جميع الأطراف الليبية، ومع غياب سيادة القانون والعدالة واحترام حقوق الإنسان. لذلك يتخوف ليبيون من ألا تحمل الانتخابات المقبلة التغيير المطلوب، بما يؤمّن تخفيف معاناة الشعب الليبي، وإيجاد مخارج من أزماته المعيشية، ومعالجة فوضى انتشار السلاح والفصائل المسلحة، وإخراج المرتزقة والقوات الأجنبية وسوى ذلك. وعليه، يتساءل الليبيون عن جدوى الانتخابات، فيما لو أنتجت أمراء الحرب أنفسهم، أولئك المتمترسين خلف كياناتهم العسكرية ونزعاتهم الجهوية، ويتوقون، في الوقت نفسه، إلى انتخابات حرّة ونزيهة تحمل نتائجها وصول شخصيات قادرة على النهوض بمهام المرحلة، وفق ما تقتضيه مصالح كل الليبيين، ولا تخضع لأجندات الدول المتدخلة في الشأن الليبي. لذلك الأمل معقودٌ على قدرة الشعب الليبي في قول كلمته في الانتخابات، كي يُمسك بزمام المبادرة عبر إبعاد جميع وكلاء القوى الأجنبية، وتقرير مصيره بنفسه من دون تدخلها، لأنه لا بديل سوى الخوض في الانتخابات، بغية تحقيق الآمال وإحداث التغيير السلمي المطلوب.

5BB650EA-E08F-4F79-8739-D0B95F96F3E1
عمر كوش

كاتب وباحث سوري، من مؤلفاته "أقلمة المفاهيم: تحولات المفهوم في ارتحاله"، "الامبراطورية الجديدة: تغاير المفاهيم واختلاف الحقوق".