الاتفاق السعودي الإيراني بانتظار التنفيذ
الاتفاق الجديد بين السعودية وإيران مفاجأة بكل المقاييس، ولجميع الأطراف المعنية بالمنطقة، بما في ذلك الولايات المتحدة وإسرائيل. وأحد عناصر المفاجأة أنه تجاوز إعادة العلاقات الدبلوماسية إلى تفعيل الاتفاق الأمني بين البلدين، والاتفاقية العامة للتعاون في المجالات كافة. وجرى ذلك بعد قرابة عامين من المفاوضات بين الطرفين بدأت في بغداد في أبريل/ نيسان 2021، ولم تسفر خمس جولات عن التوصل إلى اتفاق لتطبيع العلاقات، ولكن أسبوعاً من مباحثات أمنية عالية المستوى سعودية إيرانية في بكين حسم خلافاتٍ كثيرة وقاد إلى صيغة الاتفاق. وهذا يعني أن المنطقة تقف أمام مرحلةٍ جديدة، وإذا سارت التفاهمات حسب الأصول، يمكن أن يتغيّر المسار العام، بعد أن فشلت كل الرهانات، منذ عقود، على بناء فضاءٍ خالٍ من المخاوف والشكوك. وحسب وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، يشكّل تفضيل الحلول السياسية لمشكلات المنطقة جوهر الاتفاق. وفي حال تمكّنت الرياض وطهران من ترجمة هذه الرؤية إلى واقع ملموس، سوف تتوقف المنطقة عن السير في الاتجاه الراهن، الذي يقوم على سياسة المواجهة بين الأطراف كافة، ولا يعني ذلك أن كل شيءٍ سوف ينقلب إلى ضدّه خلال فترة قصيرة، ولكن هناك مراجعات مرتقبة للمواقف والسياسات الثنائية والإقليمية والدولية، من دولتين أساسيتين في الشرق الأوسط.
من السابق لأوانه الحديث عن مكاسب كل طرف قبل بدء مرحلة الاختبار، التي حدّدها الطرفان بشهرين لمراجعة السياسات القديمة، ومحاولة وضع خطوط عريضة لتفاهمات المرحلة المقبلة، في حين أن هناك شكوكاً في أوساط واسعة في العالم العربي بأن تتغيّر السياسات الإيرانية في المنطقة. وتسود تقديراتٌ بأن تحويرات تكتيكية قد تحصل في بعض الملفات، ولكن المسائل الأساسية في سورية والعراق واليمن ولبنان لن تعرف تحوّلاً أساسياً، الأمر الذي يطرح أسئلة كثيرة بشأن مدى التزام طهران بالتفسير السعودي للاتفاق، وهل يقود ذلك إلى تخلّيها عن سياساتها المذهبية في المنطقة، وهل في وسع الصين التي رعت الاتفاق أن تشكّل ضامناً لالتزام إيران؟ وتبدو هذه الأسئلة مشروعة بالنظر إلى أمرين مهمين. الأول عقود من التدخلات السياسية والأمنية والاقتصادية في المنطقة العربية، تمكّنت من خلالها أن تحقق نفوذاً كبيراً داخل هذه البلدان. والثاني أن تقرّر الرياض السير في عكس الاتجاه الأميركي الإسرائيلي الذي يحشد للمواجهة مع إيران. وهذا موقفٌ تاريخي ليس قليل الأهمية، ويجب ألا يحصل من السعودية من دون مقابل من إيران، لأن وقوف السعودية خارج الاصطفاف المعادي لإيران لا يقتصر على توظيف ثقلها فقط، بل ينزع أوراقاً كثيرة يتسلّح بها خصوم طهران من أجل عزلها، وتقويض نظامها في مرحلة لاحقة، وهذا صار واضحاً خلال العامين الأخيرين.
والجديد أن العالم بدأ يشهد دوراً سياسياً صينياً مباشراً في الشرق الأوسط، في ظل تنامي دور بكين الاقتصادي في قارّة أفريقيا ومنطقة الخليج، وهو هنا يأتي في مرحلة حسّاسة جداً تمر بها السياسة ثنائية القطبية لكل من روسيا والولايات المتحدة، والتي تأرجحت علاقات دول المنطقة بينها منذ الحرب العالمية الثانية. وإذ تنشغل موسكو حالياً في حرب أوكرانيا، فإن جهد واشنطن يتمركز من حول رعاية إسرائيل. وفي غياب دور أوروبي، تحاول الصين تحقيق اختراقاتٍ قويةٍ في المنطقة، من خلال النافذة التي فتحتها لها القمم الثلاث مع الدول الخليجية والعربية والإسلامية خلال زيارة الرئيس الصيني، شي جين بينغ، الرياض في ديسمبر/ كانون الأول الماضي. وفي الختام، يمكن القول إن الصين سجلت من خلال الاتفاق هدفاً في مرمى الولايات المتحدة، وهي تتقدّم بسرعة على الأرض التي تعدّها ملعبها المفتوح منذ 70 عاماً.