الإسلام والدولة في فرنسا
"منتدى الإسلام في فرنسا" هيئة جديدة، من أجل تحكّم الدولة، في صورة رسمية، بشؤون الديانة الإسلامية التي تأتي في المرتبة الثانية لجهة تعداد الذين يدينون بها، والذي يتجاوز زهاء خمسة ملايين تنحدر أغلبيتهم من بلدان عربية، تأتي الجزائر في مقدمتها بحدود مليوني نسمة. وجرى رسميا في الخامس من شهر فبراير/ شباط الحالي الإعلان عن "المنتدى"، ليحلّ في مكان "المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية"، الذي شكل محاورا للسلطات الرسمية بخصوص تنظيم الشأن الديني منذ أسسه عام 2003 الرئيس الفرنسي الأسبق، نيكولا ساركوزي، حين كان وزيرا للداخلية، إلا أن هذا "المجلس" رضخ أخيرا للضغوط الرسمية، وأعلن عن حل نفسه، بعد تحميله مسؤولية سلسلة من الإخفاقات، وحصول قطيعة بينه وبين الدولة الفرنسية. وعزا وزير الداخلية الفرنسي، جيرالد دارمانين، ذو الأصول "الحركية" الجزائرية، سبب تشكيل الجسم الجديد إلى فشل "المجلس" في القيام بدوره، ولكن تدهور الموقف بين الطرفين يعود إلى نشوب أزمة خلال عام 2021، على إثر إقرار الحكومة الفرنسية "ميثاق مبادئ الإسلام الفرنسي"، لفرض رقابةٍ على ممارسة الدين الإسلامي بذريعة منع "تدخل" دول أجنبية، و"تماشي" الإسلام مع مبادئ الجمهورية الفرنسية.
يستوحي "المنتدى" الجديد النموذج الألماني، ويتشكّل من نحو مائة شخصية اختارتهم وزارة الداخلية من بين مسؤولي منظمات وأئمة مساجد وشخصيات فاعلة في المجتمعات المسلمة المحلية، أو ذات تمثيل ميداني على مستوى عموم فرنسا. ويجري الرهان عليه لـ"إطلاق ثورة لوضع حد للتأثير الأجنبي على الإسلام" على حد تعبير وزير الداخلية، بحجّة أن الإسلام في فرنسا ديانة فرنسية، وليست أجنبية تعتمد على تمويل من الخارج. ولذلك حدّدت السلطات مهامه العاجلة في العمل على تشكيل "سلطة دينية جديدة لمواكبة الإرشاد" في الجيش والسجون والمستشفيات، وتحديد وضع الإمام وإيجاد "تعريفٍ" لمهنته ودوام عمله وعقد عمله والأجر الذي يتقاضاه، وتطبيق قانون مكافحة "النزعة الانفصالية" الذي أقر في الصيف الماضي، و"إعداد هيكلية" ترمي إلى حماية دور العبادة من الممارسات المناهضة للمسلمين.
ويبدو من خلال هذا "المنتدى" أن الدولة نجحت في وضع إطار رقابة لشؤون العبادة الإسلامية، لكن المهمة ليست بهذه السهولة، وتعترضها عقباتٌ كثيرةٌ على طريق التطبيق، ومن أهم المآخذ عليها أنها لا تحظى باتفاق الهيئات والمنظمات والجاليات الإسلامية كافة، والتي تنقسم في ما بينها نتيجه لحساسيات وخلافات تذهب حتى بلدان المنشأ، كما هو الحال بين الجزائريين والمغاربة الذين يتأثرون سلبا وإيجابا بالعلاقات بين الجزائر والرباط، وبينما تبدي الجمعيات القريبة من الجزائر مثل مسجد باريس الكبير تحمّسا لـ "المنتدى"، لا تبادلها نظيرتها المغربية أو التركية والباكستانية ذلك. وهناك نقطة خلاف جوهرية مع الدولة الفرنسية تتعلق بتعيين وزارة الداخلية أعضاء "المنتدى"، وهذه مسألة تعد تدخلا في شأن الهيئات الإسلامية، وهو ما لا تمارسه الدولة الفرنسية، حين يتعلق الأمر بالجمعيات الخاصة بالديانات الأخرى، مثل اليهودية ومنها "الكريف" (المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا) التي تربطها علاقاتٌ متينةٌ بإسرائيل.
وبينما يرى المؤيدون أن هذه الهيئة ستحافظ على البلاد ومسلميها، آمنة وخالية من النفوذ الأجنبي، وتضمن أن تتقيد الممارسات الإسلامية في فرنسا بالقيم العلمانية في الحياة العامة، فإن المعارضين لها يعتقدون أن هدف السلطات منها تحكم الأجهزة الفرنسية بالجالية الإسلامية والتدخل في شؤونها، كما كان عليه الأمر دائما، ويرى هؤلاء أن تشجيع الاندماج هو إيجاد "إسلام فرنسي". وهذا يتطلب قطع صلات المهاجرين ببلد المنشأ، وعدم التأثر بالعلاقة بين فرنسا والبلدان ذات الحضور القوي في أوساط الجاليات، مثل المغرب والجزائر وتركيا.