الإسلام السوري ليس بخير
لا يبدو الإسلام السوري بخير، هذا ما تعكسه خارطة التنظيمات الإسلامية المسلحة على الساحة السورية. قبل أكثر من سنة، ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" أن عدد التنظيمات الإسلامية المسلحة السورية تجاوز 1200. في ذلك الوقت، لم يصدق أحد الرقم، واعتبرته الغالبية العظمى مبالغةً، لا بعدها ولا قبلها. لكن، العبرة ليست في الرقم، بل في لفت الانتباه إلى حالة التشظي والتوالد العشوائي للتنظيمات ذات الصبغة الإسلامية.
وفي ذلك الحين، طرح السؤال نفسه حول التوجه إلى إطلاق تسميات ذات رمزية إسلامية على غالبية الفصائل المقاتلة للنظام، ولم يتمكن أحد من تفكيك هذا اللغز، وفهم أسبابه. وبقيت المسألة تثير الاستغراب والتعجب، واللافت أكثر أنه لم يتوقف أمامها أحد بالدرس، لا من داخل الثورة، ولا من خارجها، وجرى التسليم بها قدراً من الأقدار السيئة الكثيرة التي واجهت الثورة السورية، وحرفتها عن طريقها الذي اختطته لنفسها، وهو إسقاط النظام.
ومنذ أيام، انعقد في تركيا اجتماع لأكثر من 100 فصيل إسلامي، بهدف تشكيل قوة موحدة بينها، ورفع المجتمعون شعار "واعتصموا". ومن المفروض أن المقصود بذلك و"لا تفرقوا" بعد اليوم. وهذا أمر إيجابي. ولكن، هل يحتمل الوضع السوري 100 فصيل إسلامي، وهل هذه الفصائل متباينة إلى هذا الحد، وعلى أي أساس تتباين مواقفها، هل هي تختلف بشأن الإسلام أم حول العمل ضد النظام؟
ليس هناك من يستطيع أن يقدم إجابة شافية، ولا أحد لديه الوقت، لكي يفهم أسباب هذا التشظي الفطري. وفوق هذا وذاك، لا يمكن لعاقل أن ينظر لهذه الظاهرة بمعايير منطقية، أنها أقرب إلى السوريالية.
كيف وصلت سورية إلى هنا، حتى يتجاوز عدد التنظيمات الإسلامية المسلحة 100 تنظيم، هذا غير "داعش" و"جبهة النصرة"؟ لا بد أن هناك أمراً مرضياً يعصى على التشخيص. فهذا الإفراط باسم الإسلام لا يمكن أن يعزوه المرء إلى جذر في الواقع السوري، لأن إسلام السوريين لم يعرف، عبر التاريخ، حالة من الانقسام، حتى في العصور التي عاشت فيها الأمة حروباً داخلية، وعبرت فترات انحطاط كثرت فيها البدع، لكنها لم تتحول إلى ظاهرة تضر بالإسلام، وتشوه صورته كدين.
إذا كان عدد التنظيمات الإسلامية يفوق 100 تنظيم، لا يمكن لسوري أن يعقد لواء الأمل عليها، ولن ينتظر منها تخليصه من النظام القاتل، لاسيما وأن الفصائل الإسلامية الكبرى التي كانت، قبل عام، تعد الشعب بقرب أجل إسقاط النظام، لم تتقدم، ولم تنجز أي انتصار في الميدان. والطامة الكبرى ليست هنا فقط، بل في الضرر الذي سببته هذه الولادات المشوهة لثورة الشعب السوري، فهؤلاء الذين يسمون أنفسهم تنظيمات إسلامية مقاتلة قدموا المثال السيء عن الثورة والشعب السوري، وبدلاً من أن يشكلوا حالة إيجابية، صاروا عاملاً منفراً، بل أفزعوا، بانقساماتهم التي لا تقف عند حد، كل القوى الإقليمية والدولية التي كانت تراهن على جسم عسكري سوري، يمكن الاعتماد عليه، كنواة من أجل توجيه الدعم العسكري وجهته الصحيحة لإسقاط النظام.
بعد عام من قيام الثورة وانتشار السلاح، جرى الحديث عن ظاهرة أمراء الحرب الذين أخذوا يتسترون وراء شعار إسقاط النظام عسكرياً، وتشكلت عصابات من قطاع الطرق واللصوص والبلطجية، تتاجر بالدين والوطنية، ولم يقم أحد من الهيئات السورية، سواء الجيش الحر، أو المجلس الوطني والائتلاف، بالتصدي لها، وتوعية العالم على أضرارها، ولم تصدر حتى دراسة تشرح، وتوضح وتفضح، هؤلاء المرتزقة، الذين باتوا خطراً على قضية الشعب السوري يوازي خطر النظام.
لم يفت الوقت لمراجعة النفس، طالما أن النظام لم يسقط، واستمر القتل والتهجير والتدمير.