الأعزّاء في "ذا تلغراف" و"العربية"...

26 يونيو 2024
+ الخط -

عديدةٌ الأطراف المتحمّسة لاندلاع حرب شاملة بين حزب الله وإسرائيل، على الرغم مما يُشاع عن أكثرية غير راغبة بخروج هذه الحرب عن إطارها الحالي. صحيحٌ أن واشنطن تخشى "الحرب الشاملة"، كذلك العواصم الرئيسية في أوروبا، لأسباب سياسية انتخابية واقتصادية وعسكرية، وأخرى تتعلق بخشية من موجة لجوء جماعي، لكن ما تفضّله طهران أن تبقى حالة المواجهة على ما هي عليه منذ الثامن من أكتوبر/ تشرين الأول، محصورةً جغرافياً بالمنطقة الحدودية، قواعدُها مضبوطة المدى. لولا ذلك، لكانت إيران الرسمية أوعزت إلى حزب الله بإغلاق الجبهة ولكان أغلقها، من دون استئذان من يصدّق خرافة استقلالية قرار الحزب وبقية وكلاء إيران في المنطقة. ولأن حزب الله فصيلٌ في جيش الولي الفقيه، باعترافات حسن نصر الله، فإن النموذجي بالنسبة إليه أيضاً أن يُبقى الباب موارباً؛ نصفه مفتوح على حربٍ دمرت عشرات القرى اللبنانية وهجّرت عشرات الآلاف "إسناداً لغزّة"، ونصفه الآخر مغلق يعفي طهران من تبرير عدم تدخّلها إلى جانب أحد أبنائها حين تتسع حلبة القتل. لكن المعجبين بعبقرية إدارة حزب الله الجبهة لا تُسعفهم قدراتهم على فهم ما الذي يريده بالفعل من نصف الحرب التي افتتحها ويرفض إخماد نيرانها. حتى ولو وافقت حركة حماس وإسرائيل على اتفاق ينهي حرب غزّة، وهو ما ليس مرجّحاً حصوله قريباً، فإن الإسرائيليين غير مستعدّين، وفق ما يبدو، لربط مصير الجبهتين، لا بل إن كثيرين من وزراء الائتلاف الحكومي في تل أبيب يريدون إنهاء إبادة غزّة فقط لافتتاح إبادة أخرى في لبنان. كيف لا وهم يدركون مدى صعوبة أن تدير إسرائيل مستقبلاً حكومة حربية كهذه التي يرأسها بنيامين نتنياهو، وكم هو مستبعدٌ أن تصل إلى السلطة يوماً إدارة أميركية منحازة إلى إسرائيل كالتي يدعمها عهد جو بايدن.

أمام هذه الصورة السوداوية، يُظهر سلوك مؤسّسات إعلامية وكأنها لم تعد تطيق انتظار ساعة الصفر وانفلات الحرب من ضوابطها. فأن تعيد صحيفة ذا تلغراف البريطانية يوم الأحد الماضي تدوير ما هو منشور ومتداول مراراً ومنذ سنوات في وسائل إعلام، كفضائية "العربية" السعودية، عن تحويل حزب الله مطار بيروت إلى ما يشبه مخزناً لسلاحه الآتي من إيران، ثم أن تقصفنا مؤسسات إعلامية كـ"العربية" نفسها وشقيقتها "الحدث" بـ14 خبراً عاجلاً متلاحقاً مقتبساً من التقرير البريطاني الذي لم يعد يحمل سبقاً صحافياً لكثرة ما كُتب وبُثّ عنه، ولا وقّعته "ذا تلغراف" باسم كاتب حتى، ويقال إنه وصل إلى إدارة التحرير مباشرة من مكتبهم في دبي، فإنما هذا ينمّ عن حماسةٍ استثنائيةٍ للحرب لا داعي لها حتى بالنسبة إلى العقل الإسرائيلي الحاكم، وذلك في عزّ أجواء رعب من حرب قد تندلع في أية لحظة، في بلد كلبنان تدرك الصحيفة البريطانية والمواقع والتلفزيونات التي روّجت التقرير، كم أنه لا يحتمل ضربة كفٍّ ليسقط في قاع القاع.

الزّملاء في "ذا تلغراف" وفي "العربية" و"الحدث": يعرف اللبنانيون والعالم أن حزب الله يتحكّم بلبنان، بكل ما فيه، ويحكمه، مثلما أنه يحتل مساحات شاسعة من سورية. يعرفون أن سلاح الحزب أطاح مؤسّسات الدولة اللبنانية. يعرفون ذلك وأكثر، لا بل إنهم، وليس أنتم، ضحايا هذا كله. وإن كان اللبنانيون يعرفون هذا، فأغلب الظن أن إسرائيل على علم بما لا تعلمون عن مواقع حزب الله ومخابئه وقدراته. لا تنتظر إسرائيل منكم خدماتٍ إعلامية ولا أفكاراً لبنك أهداف تقصفه غداً، ذلك أن كنز بنكها لا ينضب. أما بالنسبة إلى تكرار نشر وبثّ تقارير على طريقة إعادة تدوير ذلك الذي يفضح "أسرار" مطار بيروت، فإنها لن تضرّ حزب الله الذي يعيش تحت الأرض، بل ستستخدمها إسرائيل من ضمن أدوات تبرير جرائم كثيرة سترتكبها بحق كل من يقيم فوق أرض هذا البلد العالق بين إسرائيل وحزب الله.