الأردن ومأزق الخيارات الاستراتيجية

29 سبتمبر 2024
+ الخط -

بصورة تهكّمية أجاب الضيف الأميركي (باحث وسياسي) عن سؤال منطقي لسياسي أردني، تعليقاً على إقرار الضيف بأنّ إدارة الرئيس دونالد ترامب (إن عاد إلى الرئاسة) تُقلّل من أهمّية الأردن الاستراتيجية للولايات المتّحددة، وفي الوقت نفسه، لا يُتوقّع أن تحمل إدارة كامالا هاريس (إن نجحت في انتخابات الرئاسة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024) أيَّ آمالٍ جديدةٍ لعملية السلام، ولن تكون نقطةَ تحوّلٍ كبيرةٍ في مسار الأوضاع المتدهورة في المنطقة.

سأل السياسي الأردني عما إذا كان على الأردن التفكير في خيارات استراتيجية أخرى (في ندوة مغلقة في معهد السياسة والمجتمع في عمّان)، فجاءه جواب الضيف: أيّ خيارات؟ هل هي قوات الحشد الشعبي التي تعمل على تهريب المخدّرات وتهديد أمن الأردن الوطني في الشمال، أم إيران التي تريد السيطرة على المنطقة؟! ما خياراتكم الأخرى إن جاءت إدارة ترامب إلى الحكم؟

بالرغم من الصيغة الاستفزازية لحديث الضيف، هنالك جانبٌ مهمّ من الواقعية السياسية في كلامه، وربّما هذا ما نجده في صميم الأسئلة الاستراتيجية المطروحة (أردنياً) اليوم. والسؤال الأول المهمّ: ماذا لو عاد دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وهو الذي لم تكن علاقته بالملك عبد الله الثاني ودّية خلال الفترة الأولى؟ ... والأكثر أهمّية أنّه (كما ذكر السياسي الضيف) لا يعير اهتماماً للأردن، ويعتقد أنّه يمكن أن يستمرّ في مشروع "السلام الإقليمي"، الذي بدأه (في المرحلة الأولى) عبر الاتفاقات الإبراهيمية، وتطوير تحالف إسرائيلي - عربي، وهي التصوّرات الاستراتيجية التي كان يتحفّظ عليها الأردن، وسيكون أكثر تحفّظاً اليوم مع العدوان الإسرائيلي على غزّة وجنوب لبنان والضفّة الغربية.

الأكثر خطورةً ممّا سبق، أنّ رهان بنيامين نتنياهو، ومعه اليمين الإسرائيلي، أن يدعم ترامب خططهم لتوسيع إسرائيل كما وعد، ما قد يعني السيطرة على أجزاء أخرى من الضفّة الغربية، وتوسيع الاستيطان، والقضاء على حلم الدولة الفلسطينية نهائياً، وما هو مطروح هنا (في دوائر مغلقة من اليمين الأميركي - الصهيوني) صيغتان: الأولى روابط القرى والبلدات الفلسطينية مع السيطرة على مناطقَ واسعةٍ من الضفّة الغربية، وتقطيع أوصالها، واخذ مناطق (ج) والاستيلاء عليها، والثانية (وقد تكون مكمّلة للأولى) إلغاء الكيانية السياسية الفلسطينية، وتحميل الأردن الدور الأكبر في الجانب الأمني الإسرائيلي (وهذا الدور طُرح على الملك عبد الله الثاني ورفضه خلال مرحلة ترامب الأولى، وكان خطاب الملك واضحاً في الجمعية العامة الأسبوع الماضي عندما أكّد أنّ الأردن لن يكون وطناً بديلاً للفلسطينيين). يبقى الرهان على موقف دول الخليج العربي، بخاصّة السعودية، التي أعلنت تشكيل تحالفٍ دوليٍّ لإقامة دولة فلسطينية، ورفضت الدخول إلى مسرح التطبيع من دون إقامة دولة فلسطينية، وإيقاف الحرب في غزّة، فيما إذا كانت ستتمّسك بمواقف صلبة في حال عودة ترامب أو لا.

حسناً، هل سيكون الأمر مختلفاً لو جاءت كامالا هاريس؟ ... سيكون أقلّ سوءاً، بخاصّة بالنسبة إلى الأردن، لكنّ ذلك في المدى القصير، إذ لا تحمل أيُّ إدارة أميركية (جمهورية أو ديمقراطية) حلولاً حقيقيةً لإقامة دولة فلسطينية، وأقوى ما كان يمكن أن يُقدّم، صفقة القرن (عرضها ترامب، ولا يستطيع أيّ فلسطيني الموافقة عليها ما دامت تمثّل تنازلاً هائلاً عن أغلب الحقوق الفلسطينية)، ما يعني أنّ اليمين الإسرائيلي سيستمرّ في أجندته، والأكثر خطورة (بخاصّة بالنسبة إلى الأمن الوطني الأردني) أنّه سيتفرّغ بعد غزّة للضفّة الغربية والقدس، وهو ما يُشكّل مصدرَ تهديدٍ حقيقيٍّ أردنياً.

لماذا نستبعد الخيار الاستراتيجي بالتحوّل نحو التحالف مع إيران؟ ... سؤال قد يدور في ذهن عديد من القرّاء، يمكن أن نناقشه لاحقاً، لكن ضمن السياسات والاستراتيجيات الإيرانية الراهنة في المنطقة، فإنّ الأمر من وجهة نظر صانع القرار الأردني مُستبعَد، وإن كان هنالك توجّه "الحدّ الأدنى" خلال الفترة الماضية بتجميد التوتّرات مع إيران، بالرغم من استمرار شبكتها الإقليمية على حدود الأردن الشمالية.

في المجمل، ثمّة تحدّيات خطيرة مطروحة على مطبخ القرار في عمّان تتعلّق بالحدود الدنيا للأمن القومي الأردني، في ظلّ التحوّلات الاستراتيجية في الإقليم المحيط.

محمد أبو رمان
محمد أبو رمان
أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأردنية والمستشار الأكاديمي في معهد السياسة والمجتمع.