الأردن في مرمى التعدّيات على القدس والمقدّسات

23 ابريل 2022

متظاهرون في عمّان يطالبون بطرد السفير الإسرائيلي تضامنا مع القدس (22/4/2022/فرانس برس)

+ الخط -

ينشغل الأردن بالتطوّرات التي تشهدها مدينة القدس المحتلة، وعلى الخصوص الاقتحامات المنهجية للمستوطنين والمتطرّفين الدينيين للمسجد الأقصى، ومحاولات السيطرة الإسرائيلية على هذا المكان المقدّس، سواء بمنع المصلين من الوصول إليه أو منع الاعتكاف والمرابطة فيه، أو السماح لغلاة المتطرّفين اليهود بأداء شعائر دينية في المسجد، وصولاً إلى محاولة أداء طقوسٍ رمزيةٍ تتمثل بالقربان، وذلك تهيئةً لتقسيم المسجد الأقصى زمانياً ومكانياً، على غرار ما هو واقع، وبالقوة الغاشمة، في الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل المحتلة.

يتعلق الأمر أولاً بالمساس المتعمّد بالوصاية الأردنية على المسجد الأقصى، ومحاولات المستوطنين، برعاية حكومة الاحتلال، جعلها غير ذات معنى، وليس بعيدا عن ذلك محاولات حكومة الاحتلال السيطرة على الأماكن المسيحية المشمولة بهذه الوصاية، وجديد فصول التجاوزات الإسرائيلية تمثل في قرار قصر الصلاة في كنيسة القيامة على ألف مُصلِّ فقط في هذا اليوم السبت الذي يصادف عيد سبت النور. وإلى عقود طويلة خلت، كانت المناسبات الدينية المسيحية تجتذب إليها آلاف المؤمنين من شتّى أنحاء العالم، بما يزكّي الهوية الإسلامية والمسيحية لبيت المقدس، غير أن تضييقات إسرائيلية متصاعدة أدّت إلى الحؤول دون وصول المحتفلين بهذه المناسبات سوى في أعداد قليلة، وذلك في إطار سياسة التهويد القسري للمدينة الفلسطينية المقدّسة.

السلام في المنطقة لا يتحقق بالقفز عن الحقوق الفلسطينية أو الالتفاف عليها، ولا بجعل الأردن ملحقاً بالاتفاقيات "الإبراهيمية"

يترافق ذلك مع سير حكومة نفتالي بينت ومئير لبيد إلى طي صفحة المسار السياسي في العلاقة مع الجانب الفلسطيني، وقصر هذه العلاقة على الشؤون المدنية والأمنية مع وعود "بتخفيف القيود عن الرازحين تحت الاحتلال، وتحسين ظروف عيشهم فيما سمي "السلام الاقتصادي". يعني ذلك المضي على نهج حكومة بنيامين نتنياهو في تعطيل المفاوضات ومنح الأولوية لتعظيم الغزو الاستيطاني، وتعزيز السيطرة على القدس بعد توسيع حدودها وتكريس فصلها عن مدن الضفة الغربية المحتلة. كما يعني هذا سلب أي دور للأردن في تقرير مصير هذا الجزء الحيوي من المنطقة، ومحاولة دفعه إلى القبول بالدولة الإسرائيلية جزءاً من المنطقة بدون أن تفي هذه الدولة بمسؤولية الالتزام بالقرارات الدولية ذات الصلة، وتصوير الاحتلال البغيض حقا مُكتسبا لأصحابه ولسلالتهم من غلاة اليمين الذين يتصدّرون المجتمع السياسي الصهيوني منذ نحو عقدين.

وقبل أن تتأجّج الأوضاع، وقبل حلول شهر رمضان، كان الملك عبدالله الثاني يزور يوم 28 الشهر الماضي (مارس/ آذار) مدينة رام الله، مقرّ السلطة الفلسطينية، تزامنا مع انعقاد اجتماع النقب الذي ضم وزراء خارجية البحرين ومصر والإمارات والمغرب ومصر مع وزير الخارجية الإسرائيلي. وكان لتوقيت الزيارة ومكانها مغزى كبير، فحواه أن السلام في المنطقة لا يتحقق بالقفز عن الحقوق الفلسطينية أو الالتفاف عليها، ولا بجعل الأردن ملحقاً بالاتفاقيات "الإبراهيمية". وإذ شكّلت تلك الزيارة دعماً معنويا ملموساً للجانب الفلسطيني، وفي توقيت سياسي دقيق وحسّاس، فإن الأردن، في هذه المناسبة، لم يفته التركيز على التهدئة، لسحب أية ذرائع لدى الجانب الإسرائيلي، على أن الأردن يدرك، في الوقت ذاته، أن الاحتلال ليس في حاجة إلى ذرائع، كي يواصل سياسته الداعمة للاستيطان والمستوطنين، علاوة على أن الاحتلال نفسه وانسداد الأفق السياسي يمثلان سبباً جوهرياً للتوترات الدورية. وهذا ما حدث ويحدث على الدوام، فالاستباحة المنهجية للمسجد الأقصى باتت نشاطا يوميا لغلاة المتطرّفين، وبرعاية علنية من المستويين، السياسي والأمني، لحكومة بينت، وكما كان الحال عليه لدى حكومة نتنياهو. وكما كان متوقعا في شهر رمضان، فقد عمدت سلطات الاحتلال إلى التضييق على المقادسة في أداء صلواتهم في مسجدهم ومسجد مليار مسلم. ولم تجد تلك السلطات في تزامن مناسباتٍ دينية إسلامية ومسيحية ويهودية خلال هذا الشهر (الفصح المسيحي واليهودي خلال رمضان) سوى مناسبة لإشهار وجهها العنصري مجدّداً تجاه غير اليهود، وتجاه مقدّساتهم في الأقصى وكنيسة القيامة، وتجاه حقهم في مدينتهم المقدّسة عبر التاريخ، إلى درجةٍ باتت فيها تُشن حربٍ دينية بلا أقنعة.. على أن تل أبيب وجدت في الظرف الدولي الحالي، متمثلا بالانشغال بالحرب الروسية على أوكرانيا، فرصةً لتجديد حروبها المفضلة والدائمة على الوجود الفلسطيني ومقدّساته. ومما يثير السخرية أن سلطات الاحتلال قرّرت وقف التحرّكات المسعورة للمستوطنين ابتداء من الجمعة، 20 إبريل/ نيسان، إلى نهاية شهر رمضان.. فقط. على أن يعاود هؤلاء برعاية حكومتهم بعدئذ أنشطتهم المشينة تجاه أماكن عبادة الآخرين.

من حقّ الأردن تفعيل وصايته على الأماكن المقدّسة الإسلامية والمسيحية بالارتقاء بها إلى وصاية ذات مضمون سياسي

وفي أثناء وجوده في رحلة علاج في ألمانيا وقبل عودته إلى البلاد، كان الملك يعقد اجتماعا عن بُعد مع حكومته ويوجّهها نحو بذل كل الجهود لوقف كل التعدّيات على القدس والمقادسة والمقدسات، وجرى خلال ذلك استدعاء السفير الإسرائيلي الذي تبيّن أنه غير موجود، وأناب عنه القائم بالأعمال الذي تلقّى رسالة احتجاج قوية على ما يحدُث في القدس. وقد ردّ رئيس حكومة الاحتلال على الموقف الأردني بالقول إن "عمّان تأثرت بدعاية حماس"، علما أن صلة الأردن بالقدس تسبق نشوء حركة حماس وولادة نفنتالي بينت (50 عاما). هذا إضافة إلى تعليقات صحافية إسرائيلية حادّة طاولت رئيس الحكومة بِشْر الخصاونة.

وعلى المستوى غير الرسمي، وقّع 89 نائبا من أصل 130 عضوا في مجلس النواب مذكّرة تطالب الحكومة بطرد السفير الاسرائيلي من عمّان، وسحب السفير الأردني من تل أبيب، فيما شهدت العاصمة عمّان احتجاجات شعبية كان أحدها على مقربة من السفارة الإسرائيلية. وتمثل التحرّك السياسي الأبرز بطلب الأردن عقد اجتماع طارئ وعاجل يوم الخميس، 21 إبريل/ نيسان، للجنة العربية المكلفة بمتابعة الاعتداءات الاسرائيلية على القدس ومقدّساتها. وتضم اللجنة إضافة إلى الأردن الذي يترأس اللجنة كلاً من الجزائر، السعودية، فلسطين، مصر، المغرب، تونس بصفتها رئيس القمة العربية، والإمارات بصفتها العضو العربي في مجلس الأمن، والأمين العام لجامعة الدول العربية. وذكر بيان رسمي أردني أن الاجتماع ينعقد "لبحث الأوضاع الخطيرة في القدس والمسجد الأقصى المُبارك/ الحرم القُدسيّ الشريف وسبل وقف التصعيد الإسرائيلي واستعادة التهدئة الشاملة". ويسترعي الانتباه أن دولاً عربية سارت في ركب التطبيع الشامل مع تل أبيب تشارك في الاجتماع، وذلك في أول احتكاكٍ بينها وبين دولة الاحتلال منذ توقيع الاتفاقيات. وإذ يُحسب للأردن المبادرة إلى هذا التحرّك وبغير تأخير، ودعوة الأطراف العربية والإسلامية إلى تحمّل مسؤولياتها، فإنه يبقى من حقّ الأردن تفعيل وصايته على الأماكن المقدّسة الإسلامية والمسيحية بالارتقاء بها من وصايةٍ رمزيةٍ ومعنوية إلى وصاية ذات مضمون سياسي مسنوداً بالاتفاق الموقّع مع السلطة الفلسطينية عام 2013 وحتى بالمعاهدة الأردنية الإسرائيلية لعام 1994. علاوة على الموقف الشعبي، كما عبّرت عنه المذكرة النيابية. ولطالما جرى في مثل هذه الظروف رفع مذكّرات نيابية تحمل المطالب نفسها، من دون أن تلقى صدى رسميا، أو يجري استخدامها في مساجلة الإسرائيليين، وذلك بسبب الاستغراق في الحسابات السياسية، وبالذات في العلاقة مع واشنطن.

محمود الريماوي
محمود الريماوي
قاص وروائي وكاتب سياسي من الأردن.