الأبراص وأمن إسرائيل
نقلت صحيفة إسرائيلية، قبل أيام، عن "سلطة الطبيعة والمتنزهات" هناك أنها طلبت مساعدة من سكان وادي عربة لتحديد أماكن وجود حيوان الوزغ (البُرص) المصري الذي بدأ انتشاره يزداد في تلك المنطقة بصورة ملحوظة. واتهمت الهيئة الإسرائيلية ذلك "البُرص" بالقضاء على الأبراص الإسرائيلية والزواحف الأخرى الأصغر منه، فضلاً عن التهام المحاصيل الزراعية.
ورغم عدم وجود رد مصري رسمي، أثارت المزاعم الإسرائيلية ردود أفعال غير رسمية متنوعة، فتناولتها وسائط التواصل الاجتماعي على نطاق واسع بقدر كبير من السخرية، سواء من المخاوف الإسرائيلية التي اعتبرتها مبالغاً فيها وغير مبرّرة، أو باتخاذ مسألة "البُرص" مدخلاً للمقارنة بين مصر وإسرائيل من منظور القوة "الشاملة"، حيث اعتبر كثيرون من رواد وسائط التواصل أن ميزان القوة بين الدولتين اختلّ لمصلحة مصر بسبب تفوّق الوزغ "البُرص" المصري وقوته، وهو الذي أرعب إسرائيل!
وفي أيام قليلة، تطورت سخرية المصريين إلى حالة نقد ذاتي قاسية، وصلت إلى القول إن البرص الذي "حط" على إسرائيل فعل ما لم يستطع الرجال فعله. ومع توالي التعليقات وتزايد السخرية، بدأت وسائل إعلام مصرية وعربية التحقيق في الموضوع، وكان لافتاً عند التقصّي اتفاق الهيئات الحكومية المختصة، وكذلك أساتذة الجامعات في مصر، على سذاجة المزاعم الإسرائيلية. وعدم منطقية أن يتمكّن حيوان صغير زاحف مثل الوزغ (البُرص) من إحداث ما تدّعيه تل أبيب من تغيير للتوازن البيئي في منطقة وادي عربة المليئة أصلاً بالوزغ "الإسرائيلي". والأهم استحالة أن يسبّب "البُرص"، مصرياً كان أو إسرائيلياً، هذا، فهو لا يتغذى على النباتات من الأساس.
بالتأكيد، لم يكن هدف الجهة الإسرائيلية إثارة أزمة مع مصر، ولا إبراز جُبن وارتعاد الإسرائيليين من لا شيء. غير أن هذه هي النتيجة الواضحة لما حدث، وهي إعادة تأكيد مدى الخوف والرعب الذي يتلبّس الإسرائيليين من أي تطور مفاجئ أو أمر غير معتاد، حتى وإن كان طبيعياً.
في المقابل، كان لردود الفعل غير الرسمية في مصر دلالات عميقة على مستوى إدراك الرأي العام وموقفه من إسرائيل، وكذلك على مستوى تقييم المصريين قوتهم الذاتية، أو بالأدق نظرتهم إلى ما يُفترض أنها مقوّمات القوة المصرية مقارنة بإسرائيل.
ولا حاجة إلى ذكر أن إدراك الرأي العام المصري لإسرائيل لا يزال على حاله من اعتبارها العدو الأول والثابت لمصر، فمقولة "صراع وجود لا حدود" قد لا يردّدها عامة المصريين كثيراً، لكنها راسخة في العقل الجمعي، أقوى مما قد يتخيل بعض الرسميين أو الإعلاميين.
أما عن النظرة إلى الذات، فرغم السخرية التي غلبت على معظم التعليقات، إلا أنها كانت جميعاً سخرية مريرة تحمل من الأسى والاستياء أكثر من الهزل أو الاستهزاء. وهو موقفٌ طبيعيٌّ ومنطقيٌّ في ظل حالة المهادنة التي تتبنّاها السلطة الرسمية في مصر تجاه إسرائيل، الجار اللدود، وتحويل التعاون والتنسيق بين الجانبين إلى نمط ثابت للعلاقات، كما لو كانتا حليفتين.
ورغم عدم وضوح أسباب الهلع الإسرائيلي المبالغ فيه، يظل التفسير الأقرب هو ذلك الخوف الدائم الذي لا يفارق أي يهودي أبدا، فهو الخوف الذي يبدأ وينبع من الداخل، وليس بسبب أي دواعٍ خارجية. وإلا ما تحول "برص" إلى تهديد لأمن إسرائيل.