ادخلوا غزّة... لا تُخرِجوا أهلها
يقول البند الثالث من مقرّرات القمّة العربية الإسلامية الهزيلة ما يلي: "كسر الحصار على غزة وفرض إدخال قوافل مساعدات إنسانية عربية وإسلامية ودولية، تشمل الغذاء والدواء والوقود إلى القطاع بشكل فوري، ودعوة المنظمّات الدولية إلى المشاركة في هذه العملية، وتأكيد ضرورة دخول هذه المنظمات إلى القطاع، وحماية طواقمها وتمكينها من القيام بدورها بشكل كامل، ودعم وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا". فيما يقرّر البند الرابع "دعم كل ما تتخذه جمهورية مصر العربية من خطوات لمواجهة تبعات العدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة، وإسناد جهودها لإدخال المساعدات إلى القطاع بشكل فوري ومستدام وكاف".
مضت أربعة أيام على قرار كسر الحصار وإدخال المساعدات بشكل فوري من دون أن نسمع أنّ أحدًا حاول كسر الحصار اللعين أو أدخل مساعدات. وفي مقابل ذلك، وسّع الكيان الصهيوني من عدوانه، وصار أكثر توحّشًا ووضاعة في اقتحام البيوت وقتْل من فيها، وإحكام الحصار على المستشفيات التي توقّفت تقريبًا عن العمل، فيما يموت المرضى فوق أسِّرة العلاج، ويُدفنون في حفرٍ داخل باحات المستشفى، ويتواصل النزوح إلى المجهول، ويصل الاستخفاف الصهيوني بمخرجات القمّة العربية إلى قصف مقرّ اللجنة القطرية لدعم إعمار غزّة.
ما الذي يمنع نحو 57 دولة عربية وإسلامية وقّعت على قرارات القمة من أن يحوّلوا قرارهم بكسر الحصار بشكل فوري إلى فعلٍ على الأرض؟ وما الذي يمنع مصر من التطبيق العملي لهذا القرار مدعومة بسبع وخمسين دولة تعهدت بذلك؟ من الذي يؤخّر القيام بالحدّ الأدنى مما يجب تجاه شعبٍ يتعرّض للإبادة والمحو؟
في ظلّ وفياتٍ يوميةٍ لأطفال يُولدون ميتين أو يموتون بعد دقائق من ولادتهم، تتحدّث الأخبار عن سماح الاحتلال الصهيوني لأنقرة وأبو ظبي بإرسال مشرفين على إنشاء مستشفيين ميدانيين في قطاع غزّة، وبصرف النظر عن تواضع الخطوة بالنظر إلى كارثية الوضع، وبعيداً عن اختصاص الصهيوني الإمارات وتركيا بالتحديد بالدخول، فإنّ مبدأ الدخول إلى غزّة ينبغي أن يكون الشغل الشاغل للعرب، بدلًا من إخراج شعب غزّة من القطاع، ذلك أنّه مع افتراض أنّ كل دولة من الدول العربية والإسلامية، أعضاء قمّة الرياض، قرّرت أن تدخل إلى القطاع وتنشئ مستشفى، فإنّ هذا يكفي لإنقاذ الشعب من الإبادة، فضلًا عن أنّه يعبّر عن إرادةٍ حقيقيةٍ لدول القمّة في الوقوف بوجه الهمجيّة الصهيونية، ولا أظن أنّ هذا العدو شديد الجبن والخسّة يمكن أن يحارب 57 دولة لو أظهرت هذه الدول موقفًا قويًا وحقيقيًا، وليس فقط من قبيل ذرّ الرماد في العيون.
في الأثناء، يبدو مخطّط تهجير الشعب الفلسطيني في اللحظة الراهنة مشروعًا تتبنّاه قوى دولية، تدفع في اتجاه تنفيذه بذرائع إنسانية، لكنّها، في واقع الحال، تلتقي مع رغبة الاحتلال الصهيوني في اقتلاع الفلسطينيين من فلسطين. وفي السياق، يبدأ الاحتلال تسويق ما يسمّيها مبادرة تقوم على الهجرة الطوعية واستيعاب من يطلق عليهم "عرب غزّة" في دول العالم حلًا إنسانيًا ينهي معاناة اليهود والعرب على السواء".
يتلقّف وزير الخارجية الهولندية هذا الهراء العنصري الوقح، ويعلن أنّ "الوضع في غزّة مروّع من الناحية الإنسانية. وكنا نفكر فيما يمكن فعله لنتمكّن من جلب الأطفال الفلسطينيين المرضى والجرحى إلى هولندا، لضمان حصولهم على المساعدة الجيّدة والمأوى"، ثم يكشف أنّ العمل يجري حاليًا على تحديد عدد الأطفال الذين يتم جلبهم.
لاحظ تكرار استعمال تعبير "الجلب"، وليس استضافة أو زيارة علاج، ما يعني أنّ مشروعًا لصناعة شتات فلسطيني مكتمل يتم طبخُه في الدوائر ذاتها التي صنعت مشروع احتلال فلسطين وزراعة الكيان الصهيوني بها. والوضع كذلك، فإنّ كلّ تأخير في الوصول العربي إلى غزّة، بكسر الحصار وإدخال الوقود وبناء المستشفيات الميدانية، يمنح مشاريع التهجير ومخطّطات صناعة الشتات الفلسطيني دفعة هائلة، ما يضع أشقّاء فلسطين شركاء في الجريمة بالصمت العاجز، أو بالأحرى العجز الناطق بكلّ مفردات التواطؤ.
ليجرّب العرب أن يسلكوا، بوصفهم أشقّاء للشعب الفلسطيني لمدة أسبوع فقط، يصادقون من يدعمه ويعادون من يعتدي عليه، وليسوا وسطاء محايدين بينه وبين من يقتلونه، ووقتها سوف يتوقّف العدو عن الاستخفاف بهم والاستفراد بفلسطين.