02 نوفمبر 2024
إيران.. لحظة الحقيقة
بشير البكر
بشير البكر كاتب وشاعر سوري من أسرة "العربي الجديد" ورئيس تحرير سابق
حتى أسبوع مضى، كانت إيران تبدو مستقرّة، لم تصل إليها رياح التغيير التي عصفت بالمنطقة، أو تتأثر من جرّاء الحروب الكبيرة من أفغانستان إلى لبنان واليمن، مرورا بالعراق وسورية. وعلى الرغم من أنها محرّك أساسي في كل ما يحصل داخل هذه الجغرافيا الشاسعة المتفجرة، إلا أنها بقيت قادرةً على تجنيب نفسها وصول الشظايا إليها.
منذ أسبوع، قرّر الشارع الإيراني أن يهزّ ثبات المعادلة التي تعايش معها الإيرانيون عدة عقود، ويولّد مفاجأةً خارجةً عن كل الحسابات. هذه هي المرة الأولى التي يواجه الحكم في إيران، منذ سقوط الشاه، حركةً احتجاجيةً واسعة، تضع البلد أمام استحقاقاتٍ كثيرة، داخلية وخارجية.
ويكمن التحول الأساسي في تحرّك الشارع ضد نظام الحكم، وهو الأمر الذي لم يكن في حساب أحد، وقد حصل الأمر من دون مقدماتٍ أو أي إشاراتٍ وعلاماتٍ مسبقة، ويبدو، حتى الآن، أن العالم الخارجي ليس وحده الذي فوجئ بالهزّة الشعبية في بلدٍ اعتاد الزلازل، بل السلطة الإيرانية نفسها التي يشهد العالم بصلابة نظامها الأمني والاستخباراتي الذي بلغ من القوة حد إحصاء أنفاس الشعوب في عموم المنطقة، وليس شعب إيران فقط.
وصل النظام الأمني والسياسي الإيراني إلى درجةٍ من التعقيد التي يبدو فيها التفكير بإمكانية زعزعته من الداخل ضربا من الخيال، وهو يعد الإنجاز الوحيد الذي استطاعت أن تحقّقه المؤسسة الحاكمة منذ نحو أربعة عقود. كل ما قامت به هو الاستثمار في بناء نظام حديدي قائم على أجهزة أمن وجيش وطبقة واسعة من رجال الدين، وما عدا ذلك، لم تنجز اقتصادا متينا، ولا دولة مدنية حديثة، تحكمها المؤسسات والقانون.
أهمل النظام الإيراني شعبه، وصرف جل وقته، وسخّر موارده الاقتصادية، على تحقيق طموحاتٍ خارجية، بدءا من تصدير الثورة في مطلع الثمانينات، إلى بسط النفوذ على عواصم عربية ذات ثقل سياسي وتاريخي، مثل دمشق وبيروت وبغداد وصنعاء. ومن هنا، وصل الوضع الداخلي الإيراني إلى مستوىً من التعقيد الذي يجعل من الحراك الشعبي ضده اليوم مشتبكا ومتداخلا ومرتبطا بقضايا خارجية كثيرة، في الوقت الذي يفتح فيه الأبواب بسهولةٍ لأعدائه الخارجيين.
الأعداء الخارجيون للنظام الايراني كثر، ومن لم يكن عدوا فقد كان يسايره من أجل مصالح ومنافع اقتصادية او سياسية. ويأتي الحدث اليوم ليعيد خلط الأوراق، ويجعل من حركة الشارع بوصلةً للمواقف الخارجية، فإذا كسبت الاحتجاجات مساحةً تستطيع أن تقف عليها لمواجهة أجهزة القمع ستجد إلى جانبها كل القوى الإقليمية والدولية المتضرّرة من النظام الإيراني، وفي هذه الحالة سوف يزيد الضغط عليه من أجل استنزافه، وتصفية الحسابات معه. وحتى لو نجح النظام في احتواء الاحتجاجات، فإنه لن يتمكّن من ذلك إلا من خلال القوة، وهو في هذه الحالة لن يكون في موقع من ربح الرهان، بل سوف يخرج ضعيفا، ويجد نفسه، بعد حين، مجبرا على التراجع، من أجل حماية نفسه، وهو في هذه الحالة سوف يضطر للانكفاء نحو الداخل، وسيوظف إمكاناته وجهوده، من أجل حماية القلعة الداخلية. وهذا يعني أن مشروع الأطماع الخارجية الإيراني سوف يبدأ بالتراجع التدريجي، طبقا لحجم التهديد الداخلي الذي سوف يواجهه النظام، غير القادر، في وضعه الحالي، على تقديم حلول عاجلة لمشكلات اقتصادية مزمنة.
هذه هي المرة الأولى التي يتعرّض فيها المشروع الخارجي لامتحان فعلي، ففي المرات السابقة، سواء الحرب مع العراق، أو التدخلات الحالية في لبنان وسورية والعراق واليمن، كان الشارع الداخلي متماسكا وموحّدا، أما اليوم فلم تعد الصورة كذلك، وبات الانقسام واضحا، وترجم النظام إحساسه بالخطر عبر المظاهرات المضادّة التي أراد منها القول إن شرعيته الشعبية لم تتأثر.
منذ أسبوع، قرّر الشارع الإيراني أن يهزّ ثبات المعادلة التي تعايش معها الإيرانيون عدة عقود، ويولّد مفاجأةً خارجةً عن كل الحسابات. هذه هي المرة الأولى التي يواجه الحكم في إيران، منذ سقوط الشاه، حركةً احتجاجيةً واسعة، تضع البلد أمام استحقاقاتٍ كثيرة، داخلية وخارجية.
ويكمن التحول الأساسي في تحرّك الشارع ضد نظام الحكم، وهو الأمر الذي لم يكن في حساب أحد، وقد حصل الأمر من دون مقدماتٍ أو أي إشاراتٍ وعلاماتٍ مسبقة، ويبدو، حتى الآن، أن العالم الخارجي ليس وحده الذي فوجئ بالهزّة الشعبية في بلدٍ اعتاد الزلازل، بل السلطة الإيرانية نفسها التي يشهد العالم بصلابة نظامها الأمني والاستخباراتي الذي بلغ من القوة حد إحصاء أنفاس الشعوب في عموم المنطقة، وليس شعب إيران فقط.
وصل النظام الأمني والسياسي الإيراني إلى درجةٍ من التعقيد التي يبدو فيها التفكير بإمكانية زعزعته من الداخل ضربا من الخيال، وهو يعد الإنجاز الوحيد الذي استطاعت أن تحقّقه المؤسسة الحاكمة منذ نحو أربعة عقود. كل ما قامت به هو الاستثمار في بناء نظام حديدي قائم على أجهزة أمن وجيش وطبقة واسعة من رجال الدين، وما عدا ذلك، لم تنجز اقتصادا متينا، ولا دولة مدنية حديثة، تحكمها المؤسسات والقانون.
أهمل النظام الإيراني شعبه، وصرف جل وقته، وسخّر موارده الاقتصادية، على تحقيق طموحاتٍ خارجية، بدءا من تصدير الثورة في مطلع الثمانينات، إلى بسط النفوذ على عواصم عربية ذات ثقل سياسي وتاريخي، مثل دمشق وبيروت وبغداد وصنعاء. ومن هنا، وصل الوضع الداخلي الإيراني إلى مستوىً من التعقيد الذي يجعل من الحراك الشعبي ضده اليوم مشتبكا ومتداخلا ومرتبطا بقضايا خارجية كثيرة، في الوقت الذي يفتح فيه الأبواب بسهولةٍ لأعدائه الخارجيين.
الأعداء الخارجيون للنظام الايراني كثر، ومن لم يكن عدوا فقد كان يسايره من أجل مصالح ومنافع اقتصادية او سياسية. ويأتي الحدث اليوم ليعيد خلط الأوراق، ويجعل من حركة الشارع بوصلةً للمواقف الخارجية، فإذا كسبت الاحتجاجات مساحةً تستطيع أن تقف عليها لمواجهة أجهزة القمع ستجد إلى جانبها كل القوى الإقليمية والدولية المتضرّرة من النظام الإيراني، وفي هذه الحالة سوف يزيد الضغط عليه من أجل استنزافه، وتصفية الحسابات معه. وحتى لو نجح النظام في احتواء الاحتجاجات، فإنه لن يتمكّن من ذلك إلا من خلال القوة، وهو في هذه الحالة لن يكون في موقع من ربح الرهان، بل سوف يخرج ضعيفا، ويجد نفسه، بعد حين، مجبرا على التراجع، من أجل حماية نفسه، وهو في هذه الحالة سوف يضطر للانكفاء نحو الداخل، وسيوظف إمكاناته وجهوده، من أجل حماية القلعة الداخلية. وهذا يعني أن مشروع الأطماع الخارجية الإيراني سوف يبدأ بالتراجع التدريجي، طبقا لحجم التهديد الداخلي الذي سوف يواجهه النظام، غير القادر، في وضعه الحالي، على تقديم حلول عاجلة لمشكلات اقتصادية مزمنة.
هذه هي المرة الأولى التي يتعرّض فيها المشروع الخارجي لامتحان فعلي، ففي المرات السابقة، سواء الحرب مع العراق، أو التدخلات الحالية في لبنان وسورية والعراق واليمن، كان الشارع الداخلي متماسكا وموحّدا، أما اليوم فلم تعد الصورة كذلك، وبات الانقسام واضحا، وترجم النظام إحساسه بالخطر عبر المظاهرات المضادّة التي أراد منها القول إن شرعيته الشعبية لم تتأثر.
دلالات
بشير البكر
بشير البكر كاتب وشاعر سوري من أسرة "العربي الجديد" ورئيس تحرير سابق
بشير البكر
مقالات أخرى
26 أكتوبر 2024
19 أكتوبر 2024
12 أكتوبر 2024