إليزابيث الثانية .. 70 عاماً في الملك
احتفال ملكة بريطانيا إليزابيث بالذكرى السبعين لجلوسها على العرش يجعلها أكثر من استمرّ في هذا المنصب عبر التاريخ البريطاني المسجّل كله. وبذلك تكون قد تفوّقت على ملكةٍ أخرى هي فكتوريا التي حكمت حوالي 63 عاما. والملاحظ هنا أنهما سيدتان، وتعطيها هذه الفترة المركز الرابع عالميا من حيث فترة الحكم بعد يوهان الثاني، ملك ليختنشتاين، وبوميبول التايلندي. أما صاحب الرقم القياسي فهو لويس الرابع عشر الذي حكم فرنسا 72 سنة، وإذا قيّض للملكة إليزابيث أن تبقى في المنصب إلى العام 2024 فستكون صاحبة أطول فترة حكم عبر التاريخ. احتفلت هذه الملكة باليوبيل البلاتيني الأسبوع الماضي، رغم أن ذكراه تحلّ في السادس من فبراير/ شباط، وقد تأجل الاحتفال به أملا بأن يكون الطقس أفضل من أجل صحّة الملكة، وفي رصيدها 70 عاما من الخدمة الملكية التي تكاد لا تمارس السياسة فيها، ولا الحكم، رغم أن كل شيء يمضي باسمها، من تشكيل الحكومات، وحلّها، وافتتاح جلسات البرلمان، حتى إن الحكومة ذاتها ليست حكومة بريطانيا، بل هي حكومة صاحبة الجلالة! عاصرت الملكة إليزابيث خلال أعوامها السبعين في الملك 14 رئيسا للوزارة بدءا بتشرشل وانتهاءً برئيس الوزراء الحالي بوريس جونسون، والتقت 13 رئيسا أميركيا، وتقتصر ممارستها السياسة على الذهاب برحلة طولها كيلومتر ونصف، وهي المسافة بين قصر باكينغهام ومجلس اللوردات لتفتتح عمل البرلمان بشكل رسمي.
شهدت فترة الملكة إليزابيث غروب وهج الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، ورضيت بمقعد خلفي وراء القوة الناشئة الموجودة خلف المحيط الأطلسي، والتي كانت يوما مجرّد واحدة من مستعمرات بريطانيا، وأحسّ العالم بغياب القوة البريطانية بعد حرب السويس عام 1956، فيما يعرف بالعدوان الثلاثي على مصر، حين رضخ الثلاثي الذي هاجم مصر، ومنهم بريطانيا، لرغبة الولايات المتحدة التي فرضت وقفا للقتال، وتراجعا للقوات الغازية. عندها عرف العالم من هي القوة المسيطرة، ولكن المؤسّسة الملكية بقيت صامدة بكل تقاليدها العريقة والتي تحرص إليزابيث على التقيد بها حرفيا، وهي تقاليد تجذب السياح وهواة الأنتيكا، والظهور الملكي محبّب في الصحف الشعبية، وتشعل الأحوال الملكية صحافة الهمس الفضائحي، وقد استهلكت تلك الفضائح كثيرا من اهتمام الملكة، وربما يكون الوقت الذي أمضته لتحل مشكلات أبنائها وأحفادها وعلاقات الأسرة الحاكمة، أكثر من الوقت الذي تمضيه في الحديث مع رئيس وزراء البلاد.
تتعرّض المؤسسة الملكية البريطانية بشكل متزايد للانتقاد، وهناك مطالباتٌ جدّية بوقف النظام الملكي لصالح نظام سياسي جديد، ويغلب على هذه المطالبات الشكل الموسمي، فمع تزايد فضائح العائلة المالكة يتحرّك الشارعان، الرسمي والشعبي، معبرا عن رغبه في التغيير، وقد اتُهم الابن الثاني للملكة، وهو الأمير أندرو، بالاغتصاب، واتهم عضوٌ آخر في العائلة المالكة بالتمييز العنصري، عندما سَأل عن درجة لون ابن ميغان زوجة الأمير وليم. وواجه القصر أوقاتا عصيبة في منتصف التسعينيات، عندما قضت ديانا، زوجة الأمير تشارلز السابقة، في حادث مأساوي. ويُطرح سؤال جدّي بشأن مصير هذا الإرث كله، بعد أن ترحل الملكة إليزابيث وكيف يجري الانتقال إلى الجيل التالي؟ فولي العهد تجاوز السبعين، وهو لا يتمتع بشعبية كبيرة، فيما يبدو ابنه الأمير وليام أكثر قبولا وهو أصغر سنا بثلاثة عقود، ولكن تشارلز قد لا يرغب في التنحّي لولده، ولم يعبر عن ذلك أبدا. ربما يحظى أفراد الأسرة الملكية ببعض الاحترام المتفاوت، ولكن المؤسّسة الملكية نفسها فقدت كل البريق، وجيل الشباب يرغب بالفعل بشكل مختلف. ولكن بالتأكيد ليس قبل أن ترحل الملكة إليزابيث، وقد لا ترحل قبل أن تدخل كتاب غينيس لتكون صاحبة الرقم القياسي في الجلوس على كرسي الحكم في التاريخ.