إلى المنافقين السياسيين: كلّا حماس ليست داعش
الغرض الرئيسي للحملة الإسرائيلية المسعورة التي تعمل على تشويه صورة "حماس" حركة مقاومة وطنية لتحرير الأراضي الفلسطينية من الاحتلال الإسرائيلي، بمشابهتها بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، المتشدّد، إيقاظ الخوف العميق والمتأصّل في الغرب من هذا التنظيم الذي صبغ بالدم والسواد في نحو عشر سنوات مضت عدة دول في المنطقة، وترويج السردية الإسرائيلية الرسمية التي ترمي إلى تصوير مقاتلي "حماس" برابرة و"وحوشا"، وليس مقاومين ومقاتلين يدافعون عن حقهم الشرعي في استعادة أرضهم وفي الثورة على الجوْر والظلم المستمرّين اللذيْن تمارسهما إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني منذ عقود. وهُم، في النهاية، يمثلون ثورة عارمة ضد سنوات من القمع والإخضاع والحصار التجويعي الذي حوّل قطاع غزّة إلى سجن كبير منذ 2007.
كلّا، مقاتلو "حماس" ليسوا غُزاةً عندما دخلوا مستوطنات غلاف غزّة، بل هم يعودون إلى الأرض التي طُرد منها أهلهم وأجدادهم. مقاتلو "حماس" ليسوا دواعش يريدون إحياء حلم الخلافة الإسلامية ومحاربة الكفار ونشر الإسلام التكفيري، بل هم مقاتلون من أجل حرية الإنسان وتحرير الأرض وصون كرامتهم الوطنية المداسة منذ سنوات على يد دولة الاحتلال إسرائيل. هم أبطالٌ يخوضون مواجهة غير متوازنة، حتى لا نقول انتحارية، مع أقوى جيوش المنطقة وأكثرها وحشية. ويشهد التاريخ الماضي، كما الحاضر، على القتل اليومي الذي يجري في مدن الضفة الغربية وأعداد الشهداء الفلسطينيين، الأطفال والنساء والشبان والشيوخ. مقاتلو "حماس" ليسوا دواعش، والمواجهة التي خاضوها في المستوطنات هي مع مستوطنين لهم تاريخ إجرامي طويل ودموي. نذكّر أصحاب الذاكرة القصيرة بالفتى الفلسطيني محمد أبو خضير الذي قُتل حرقاً على أيدي خمسة مستوطنين يقودهم حاخام، ونذكّرهم بعائلة الدوابشة التي أشعل المستوطنون النار في منزلها في الضفة الغربية، ما أدّى إلى استشهاد أفرادٍ من العائلة بينهم رضيع، وغيرهما كثير من أعمال القتل على أيدي مستوطنين تحوّلوا إلى جيش من المليشيا المسيانية القومية المتطرّفة الخطرة.
ليست حركة حماس "داعش"، وهي لم تلجأ إلى أخذ أسرى إلا لأن هذه هي الطريق الوحيدة لإطلاق سراح المئات من الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، جزء كبير منهم من المعتقلين إدارياً أي من دون تهمة واضحة، ومن دون أن يعرف الأسير تهمته، فإسرائيل تعتقل بناء على وشاية، أو ترهيباً، أو عقوبة جماعية. وهي تسعى إلى تصوير نفسها في صورة الضحية، بينما تدكّ طائراتها المنازل فوق رؤوس المدنيين في غزّة من الكبار والصغار، وخلال ساعة واحدة قتلت أكثر من 30 فلسطينياً، بينهم العديد من الأطفال.
مواجهة غير متوازنة، تمارس فيها إسرائيل كل وسائل القتل الجماعي، ولا تراعي قيمة للحُرمات والحياة البشرية، كأنها تعتبر حياة الفلسطييين أقل قيمة من حياة مواطنيها
كلّا "حماس" ليست "داعش" وإسرائيل ليست ضحية، بل هي الجلاد الذي يمنع عن أهالي غزّة الماء والكهرباء والغذاء، ويحوّل أحياء غزّة إلى موت ودمار وخراب. الافتراءات الدنيئة التي يسوقها نتنياهو والجوقة التابعة له من ناطقين رسميين ضد مقاتلي "حماس" هي أكاذيب غرضها تضليل الرأي العام الدولي، وصرف أنظاره عن المجازر التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي في غزّة.
الحرب الإعلامية والتضليلية التي تشنها إسرائيل على "حماس" لا تقلّ خطورة عن الحرب العسكرية، فهي تتلاعب بمشاعر المجتمع الدولي من خلال تشبيه حركة حماس بتنظيم داعش، وربط ما جرى في أثناء مواجهات في غلاف غزّة بذكرى المحرقة وغيرها من أضاليل. والعالم يصدّقها ويمشي وراءها.
المواجهة الدائرة اليوم في غزّة والاستخدام المدمّر للتفوق العسكري الإسرائيلي ضد المدنيين في غزّة هما صورة عن كل المواجهات التي دارت في الماضي بين طرفي النزاع. وهي مواجهة غير متوازنة، تمارس فيها إسرائيل كل وسائل القتل الجماعي، ولا تراعي قيمة للحُرمات والحياة البشرية، كأنها تعتبر حياة الفلسطييين أقل قيمة من حياة مواطنيها.
ليست إسرائيل الضحية بل الجلاد. و"حماس" ليست "داعش"، بل حركة تحرّر وطني استطاعت أن تزعزع صورة إسرائيل دولة قوية، وتقوّض أسطورة الردع الإسرائيلي المزعوم وجيش الشعب الذي لا يُقهر. والمعركة الدائرة اليوم لا تخوضها قوى ظلامية تريد أن تعيد عجلة التاريخ إلى الوراء، بل حركة مقاومة بطولية، نجحت بقدراتها العسكرية، المتواضعة بالمقارنة مع الجيش الإسرائيلي، وبشجاعتها وجرأتها وتضحياتها وعدم خوفها من الموت، في تلقين إسرائيل درساً قاسياً، وأن تقدّم للشعب الفلسطيني انتصاراً تاريخياً تحاول إسرائيل القضاء عليه في ساحة القتال، ومن خلال حملاتها المحمومة لتشوية صورة حركة المقاومة الإسلامية.