إسرائيل تبتزّ الاتفاق النووي الإيراني .. فأين العرب؟

28 اغسطس 2022
+ الخط -

من الواضح أن إسرائيل تعتبر أن الاتفاق الأميركي – الإيراني بشأن برنامج طهران النووي أصبح قريباً، وبالتالي سعت لضمان عدم المساس بمصالحها، والأهم ألّا تقيد واشنطن حركتها أو عملياتها ضد كل "وكلاء إيران في المنطقة". إذ على رغم إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي، يئير لبيد، أن واشنطن استجابت لضغوطها ولم ترضخ لمطالب إيرانية تعتبرها تهديداً لها، إلا أن ذلك لم يكن كافياً، فالدولة الصهيونية أرادت مقابل قبولها المشروط، والمتردّد أصلاً، بإحياء اتفاق أميركي إيراني معَدَّل، تثبيت مشاركتها في قرارات عسكرية أميركية، و"حرية حركة" لإضعاف حلفاء إيران في المنطقة.

لم تنتظر إسرائيل التعهدات، بل طار كل من وزير الدفاع، بني غانتس، إلى مركز القيادة العسكرية الأميركية في فلوريدا، فيما سبقه بيوم المستشار الأمني الإسرائيلي، إيال حالوتا، إلى واشنطن، وأطلعه مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان على نص الرسالة الرسمية الأميركية الأخيرة الموجهة إلى إيران حيال الشروط النهائية لإقرار الاتفاق، أي إن إسرائيل لم تقبل بالضمانات الكلامية، بل أصرت على قراءة النص الأميركي قبل إرساله لإيران، وهذا ما حدث وفقاً لموقع ايكسيوس الأميركي.

بني غانتس بدوره، أعلن من فلوريدا الشروط الإسرائيلية الأخرى؛ وهي أن يكون لإسرائيل دور فاعل في منظومة القيادة الوسطى للجيش الأميركي في الشرق الأوسط، ويعني ذلك المشاركة في القيادة العسكرية للمنطقة، وهو مطلبٌ ينسجم تماماً مع هدف أميركا بتشكيل تحالف عسكري وأمني، يضم إسرائيل ودولاً عربية باسم مواجهة إيران، فمنذ أن نُقلَت إسرائيل من عضوية منظومة القيادة العسكرية الأميركية في أوروبا إلى منظومة القيادة الوسطى (السنتكوم) بقرار من الرئيس ترامب قبل مغادرته البيت الأبيض بأيام، صار متوقعاً أن تطالب إسرائيل بدور قيادي في اتخاذ القرارات، ووجدت في ربط موافقتها على إحياء التزام واشنطن الاتفاق النووي الإيراني (2015)، الذي انسحب منه ترامب عام 2018، فرصة في فرض شروطٍ قد لا تكون كلها معلنة. لكن غانتس، بكل قوة، يريد ضمان حرية القرار الإسرائيلي بالتعامل مع "وكلاء إيران في المنطقة"، أي قد لا تسمح واشنطن بضربة عسكرية ضد إيران، لكن تل أبيب لن تتخلى عن حملتها في ضرب حلفاء طهران. ولمّا كانت تسمي هؤلاء "وكلاء إيران"، فإنها تريد أن تكون فعلياً حرّة في أن تستمر بضرب المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وضرب خطوط إمدادات حزب الله في سورية، من دون استبعاد ضربات محدّدة في لبنان، قد تستخدمها في الضغوط على الحكومة اللبنانية لقبول شروطها لاستخراج الغاز الطبيعي من المياه اللبنانية باسم ترسيم الحدود. إذ لم تكن الحملة الإعلامية والتصريحات الإسرائيلية "المذعورة"، خلال الأسبوعين الماضيين، مجرّد صراخ ضد إحياء اتفاق تنظيم البرنامج النووي الإيراني، بل لتحقيق مكاسب جديدة، فكل جهود أميركا لدمج إسرائيل في المنطقة، وضمان تفوقها العسكري، لا تستطيع إرضاء إسرائيل، فالاتفاقيات التطبيعية التحالفية (الإبراهيمية)، بالرغم من خنوع بعض القيادات العربية، لم تحقق بعد قبولاً عربياً رسمياً في دمج الأسلحة العربية، وبالأخص المنظومات الصاروخية، تحت تحالفٍ تقوده أميركا، فتحرّكت إسرائيل لتعجل في اتخاذها دوراً فاعلاً في مجموعة قيادة الجيش الأميركي الوسطى، لأنها لا تملك ترف انتظار تردّد الحكومات العربية.

رفضت أميركا مطالب إيرانية بشطب الحرس الثوري من لائحة الإرهاب، وكذلك رفضت أن ترفع الحظر عن جهاتٍ اقتصاديةٍ تتعامل مع الحرس الثوري الإيراني

الفرق بين أميركا وإسرائيل ليس في الاستراتيجية، بل في ما تريد واشنطن أن تكون خطوات دمج إسرائيل في المنطقة وسيطرتها على منظومات الأسلحة، وبخاصة الجوية والصاروخية، ضمن تفاهمٍ مع الحكومات العربية. ارتأت إسرائيل أن تأخذ موقعها القيادي في "السنتكوم"، وإيصال رسالة واضحة إلى الدول العربية بأنها لن تنتظر، لذلك استغلت الجدل بينها وبين واشنطن حيال الاتفاق الإيراني، لفرض أمرٍ واقعٍ في المنطقة، يُعَجّل في عملية دمجها والاعتراف بهيمنتها على المنطقة.

إذاً، لم تكن هناك مفاجآت، فالتوقيع الأميركي الإيراني قد اقترب، ولكن حتى لو حدثَ أن يُفشِل المفاوضات الجارية، فقد حصلت إسرائيل على الكثير الكثير، وأبعد من تحقّق شروطها هي أيضاً شروط المتشدّدين في الكونغرس الأميركي، لبنود الاتفاق مع إيران، فجزء من الضجّة الإسرائيلية كان مفتعلاً أصلاً لتحقيق أهداف أمنية عسكرية في المنطقة، قبل أن يتحقق تشكيل تحالف أمني إسرائيلي عربي رسمي، فإيران وافقت على بنود اشترطتها أميركا، وبالطبع إسرائيل، قبل نحو شهرين. ورفضت أميركا مطالب إيرانية بشطب الحرس الثوري من لائحة الإرهاب، وكذلك رفضت أن ترفع الحظر عن جهاتٍ اقتصاديةٍ تتعامل مع الحرس الثوري الإيراني، وفي رسالتها إلى طهران التي قرأها المستشار الأمني الإسرائيلي، ايال حالوتا، رفض أميركي لربط توقيع الاتفاق بموافقة واشنطن على وقف تحقيق الوكالة الدولية للطاقة الذرية، للتأكّد من أن طهران لم ولن تستعمل اليورانيوم المخصّب في تصنيع أسلحة نووية، فتل أبيب وواشنطن لن تسمحا لأي دولة غير إسرائيل بتطوير برنامج أسلحة نووية، لضمان هيمنة الأخيرة وإرهابها المنطقة، ليس خوفاً من أن تستعمل إيران السلاح النووي، لكن منعاً لامتلاك أيٍّ من دول المنطقة منظومة أسلحة تردع الهيمنة الإسرائيلية واستمرار سلبها الوطن الفلسطيني وقتل شعبه وتشريده، فحتى لو لم يكن عند طهران أي هدف غير توطيد دورها وهيمنتها الإقليمية، فهذا غير مسموحٍ أميركياً وإسرائيلياً لغير إسرائيل.

مفاوضاتٌ تجري بشأن برنامج نووي في المنطقة، لا صوت فيه ولا حضور لمطالب أو حقوق عربية

غابت، وتغيب عن المشهد، المطالب العربية، وحتى الحقوق العربية، فمفاوضاتٌ تجري بشأن برنامج نووي في المنطقة، لا صوت فيه ولا حضور لمطالب أو حقوق عربية، فلا مواجهة لاستمرارية احتقار (وخرق) الأمن القومي العربي الذي يجري تفكيكه. لم يعد ممكناً، حتى إصدار بيان، ولو هزيلاً، من جامعة الدول العربية، التي حتى ما بقي منها مرفوض بقاؤه إسرائيلياً وغربياً. ولا يمكن التعويل على الحكام، بالرغم من أن أي تحرك، ولو ضعيفاً، أصبح مطمحاً وخطوة مرحباً بها، كتردّد القادة العرب في الرياض، خلال زيارة الرئيس الأميركي جوزيف بايدن، الشهر الماضي (يوليو/ تموز) في قبول اقتراح دمج منظومة الصواريخ في المنطقة مع إسرائيل، وإنْ كان صمود هذه القيادات على هذا الموقف مشكوكاً به.

بداية الخروج من هذا الغياب والحضور بقوة: الشروع في حوار أو مفاوضات مع إيران للوصول إلى صيغةٍ تحترم السيادة العربية، من دون الدخول في تحالف إسرائيلي أميركي في مواجهة خطر إيراني، لصالح الهيمنة الإسرائيلية. وليس الحديث هنا عن شعارات قومية هنا، بل عن ضمان مستقبل الأجيال، فإذا جرى الوصول إلى اتفاق إيراني أميركي، فلنجعل الحدث فرصة مهمة، لأن نطالب ونضغط على الحكومات للتوقف عن استجداء حماية إسرائيلية أميركية كاذبة، تستقوي بها إسرائيل علينا، وبفتح حوار صريح مع طهران.

نعم، صحيحٌ أن إيران قوة إقليمية، لكن يجب أن نضع أسساً للندّية، بعيداً عن الأجندة الأميركية، وإذا لم يمرّ الاتفاق (وهم الحماية الأميركية الكاذبة)، فأميركا تتفق مع إيران أو لا تتفق معها وفقاً لمصالحها، فلنضع حداً لبقائنا أداةً في حروبها الحقيقية والوهمية.