إسبانيا ومعركة أنوال .. الاستعادة الملتبسة

26 اغسطس 2021
+ الخط -

مرّت مائة عام على معركة أنوال التي كبّدت فيها المقاومةُ الريفية، بقيادة الأمير محمد عبد الكريم الخطابي، الجيشَ الإسباني هزيمة ساحقة في منطقة الريف، شمالي المغرب. وقد خلّفت هذه المعركة (22 يوليو/ تموز - 9 أغسطس / آب 1921) آلاف القتلى بين الجنود الإسبان. ولعل المؤرّخ الإسباني، خوان بانضو، لم يجانب الصواب، حين اعتبر، في كتابه ''التاريخ السرّي لمعركة أنوال''، أن إسبانيا لم يسبق لها أن خسرت جيشها بالكامل، كما حدث في "أنوال".

أفضت الهزيمة إلى حدوث ارتجاج سياسي ومجتمعي كبير، وكشفت أزمةَ الإمبريالية الإسبانية التي عجزت عن بناء جيشٍ حديثٍ ومؤهل، قادرٍ على قيادة ''مشروع استعماري طموح'' على غرار فرنسا وبريطانيا. وقد كشفت مصادر تاريخية كيف أن معظم الجنود الإسبان الذين شاركوا في المعركة لم يكن في وسعهم دفع مبلغ من المال يُعفيهم من الخدمة العسكرية، كما كان الشأن بالنسبة لأبناء الطبقات الميسورة. نتج عن هذا الارتجاج تقاطبٌ سياسيٌّ حاد، كان عنوانه الأبرز تحميل الملك ألفونسو الثالث عشر مسؤولية الهزيمة، وصعود الخطاب الجمهوري، وتعزيز النزعة اليمينية داخل الجيش، ما فتح المجال أمام تشكّل جناح فاشي، سرعان ما أصبح متحكّما في مفاصله، خصوصا داخل القيادات العليا التي شكلت لاحقا نواة الحكم الفرنكوي. وهو ما سيكون له بالغ الأثر في إنضاج الظروف العامة التي مهّدت لاندلاع الحرب الأهلية (1936)، ثم انتصار اليمين الفرنكوي وسيطرته على الحكم (1939).

على مدار عقود طويلة، ظلت معركة أنوال في إسبانيا بمثابة تابو سياسي يُتجنّب الخوض فيه، خصوصا خلال العقدين اللذين أعقباها. ومع بداية الأربعينيات، سيعود الحدث إلى الواجهة من خلال الأدب، بعد أن أصدر الكاتب أَرتورو بارِيا روايته ''طريق المتمرّد'' (1941)، التي يمكن اعتبارها أول عمل أدبي يستعيده، من خلال ربطه بسياقاته السياسية والاجتماعية والثقافية. ويرى بعضهم أن هذا الإصرار على ''نسيان أنوال'' لم يكن غريبا عن ثقافة سياسية بقي التاريخ الاستعماريُّ جزءا من مسكوتٍ عنه، تُشكل الحرب الأهلية والحكم الفرنكوي والانقسام المجتمعي دوائرَه الرئيسةَ الأخرى. يتعلق الأمر بذاكرةٍ تأبى استعادة الحدث بشكل متوازن، يَصل الإسبانَ مع تاريخهم القريب، على الرغم من تداعياته المستمرة. بيد أن حلول الذكرى المئوية للحدث جعل أصواتا ترتفع مناديةً بضرورة تخليده رسميا، على الأقل، تكريما لذكرى آلاف القتلى الذين سقطوا في المعركة في مغامرة عسكرية غير محسوبة.

في هذا السياق، كان دالّاً إحجامُ وزارة الدفاع والجيش عن استعادة حدثٍ يُحيل إلى إحدى أكبر الهزائم التي أُلحقت بالعسكرية الإسبانية خلال القرنين الأخيرين، ما جعل أحزابا يمينية تأخذ المبادرة للتغطية على هذا الغياب الرسمي، ومن ذلك الفعالية التي أقامها حزبا الشعبي وفوكس في مدينة مليلية المحتلة لتكريم قتلى المعركة. كما لم يفت بعضهم الدعوة إلى استعادته بشكل مشترك مع المغرب، على اعتبار أن القفز على هذا ''الحدث المشترك'' يحرم البلدين مما يتيحه التاريخ من موارد لبناء شروط العيش المشترك في منطقةٍ تبقى ورشةً محتملةً لتراكم سوء الفهم بينهما على غير صعيد. غير أن تزامن الذكرى مع الأزمة الدبلوماسية التي تشهدها العلاقات الإسبانية المغربية فوّت، على ما يبدو، هذه الإمكانية التي كانت ستساعد على تدشين طور جديد في هذه العلاقات.

وتبقى الاستعادة الأكثر أهمية في هذا الصدد صدورُ ''مائة عام على معركة أنوال'' (2021)، وهو كتاب جماعي جدير بالقراءة، أشرف على تحريره وتنسيق موادّه المؤرخ دانييل ماثِياس فرنانديث. ولعل ما يميّزه تجاور تخصصات معرفية مختلفة توخّت تقديم رؤيةٍ متوازنة، نسبيا، لهذه الحدث المفصلي في التاريخ الإسباني الحديث.