إخوان الأردن في الانتخابات: التمسّك بالشعار والتخلّي عن الأيديولوجيا
يتوجّه الأردنيون اليوم، في انتخابات تشهد، للمرّة الأولى منذ فترة طويلة، تنافساً حزبياً ضارياً وكبيراً، ليس بين أحزاب محسوبة على المعارضة وأخرى على الموالاة فقط، بل حتّى في أوساط كلّ من المُربَّعَيْن؛ فلا يقل التنافس مثلاً بين حزب الميثاق الوطني (محافظ ليبرالي، يمين الوسط) وحزب إرادة (قريب من أروقة القرار ويُعرّف نفسه بأنّه من يسار الوسط) عن التنافس بينهما وبين حزب جبهة العمل الإسلامي (يمثّل جماعة الإخوان المسلمين الأمّ، إذ انشقت مجموعة أخرى قبل أقلّ من عقد وشكّلت جماعة إخوان ثانية أصبحت المعترف بها قانونياً من الحكومة)، ودخل في خطّ هذا الصراع الحزبي المحموم الحزب الوطني الإسلامي (يضمّ خليطاً من قيادات إخوانية منشقّة عن الجماعة الأمّ ومجموعات من المستقلّين)، ويرفع هو الآخر شعارات إسلامية محافظة في حملته الانتخابية.
يدخل ممثّل "الإخوان"، حزب جبهة العمل الإسلامي، الانتخابات الحالية بقوّة، ويُلاحَظ أنّه، بالرغم من حجم العدوان على غزّة وظلاله القاتمة والحزينة في المشهد الأردني، ينشط بشكل قوي وكبير في حملته الانتخابية وبرامجه وينوّع أساليبه، وقد أعلن قائمةً وطنيةً كبيرةً بالإضافة إلى قوائم محلّية عديدة في مستوى المحافظات، ويصل إجمالي عدد المُرشّحين إلى ما يقارب مائة مرشَّحٍ، ويكاد الحزب بكون الوحيد الذي أعلن (وهو الأمر المعتاد) عن مرشّحيه الحزبيين في الدوائر التي يشارك فيها، بينما اكتفت أغلب الأحزاب بالقائمة الوطنية الحزبية العامة، وبقوائم محلّية باسم الحزب، بينما يخوض عديدون من مرشَّحيها الانتخاباتِ المحلّيةَ بصفتهم الشخصية، وليس ضمن قوائم مُعلَنةٍ بأسماء تلك الأحزاب.
بالرغم من أنّ "الإخوان" عادوا إلى شعارات تقليدية، إلاّ أنّ برنامجهم الانتخابي تجاوز كثيراً اللغة الأيديولوجية
لا يسعى الإسلاميون (جبهة العمل الإسلامي) إلى نتائج كبيرة، كما كانت تتخوّف العديد من مؤسّسات القرار، بخاصّة إذا ما أراد "الإخوان" استثمار الشعبية الكبيرة لحركة حماس في المشهد الأردني، وهو أمرٌ، على ما يبدو، حاولوا القيام به، بخاصّة في استخدام إشارة المثلّث الحمراء (تستخدمها كتائب الشهيد عز الدين القسّام) في إعلاناتهم الانتخابية (أجبرتهم الهيئة المستقلّة للانتخاب على إزالتها). لكن، من الواضح أنّ حجم المخاوف من مفاجآتٍ في صعيد شعبية الجماعة في القائمة الوطنية لم يعد كبيراً، بل على النقيض من ذلك، بدت مشاركةُ الجماعة، التي تمتلك قواعدَ اجتماعيةٍ مُعتبَرةً في المدن الكُبرى، بمثابةِ تعزيز لزخم التحديث السياسي وجدّية الحكومة ومصداقية اللعبة الانتخابية، ورفع نسبة المشاركة في الانتخابات أمر آخر يُشكّل تحدّياً لدى دوائر القرار.
طموح الإسلاميين أن يكونوا الحزب رقم 1 في مستوى القائمة الوطنية، وأن يحافظوا على حضورهم ومشاركتهم السياسية، وزيادة عدد أعضائهم قدر الإمكان، ولعلّ التقديرات المتفائلة (المُقرَّبة منهم) تتحدّث عن 20 مقعداً، من أصل 138 مقعداً (منها 41 للقائمة الوطنية)، وعلى الأغلب سيحافظون على مقعد الأقلّية المُعارِضة، مع التوقّع أن تتّجه الأحزاب القوية المنافسة لهم إلى تحالفات داخل مجلس النواب المقبل.
في صعيد الشعارات والبرنامج الانتخابي؛ بالرغم من أنّ "الإخوان" عادوا إلى شعارات تقليدية، مثل "بالإسلام نحمي الوطن ونبني الأمة"، إلاّ أنّنا بالتمعّن في برنامجه الانتخابي نجد أنّه تجاوز كثيراً اللغة الأيديولوجية التي علّبت خطابه السياسي في عقود سابقة. لو قارنّا مثلاً بانتخابات 1989، هنالك رؤية اقتصادية نقدية للسياسات الاقتصادية الراهنة، وتمتاز هذه الرؤية بأنّها مخالفةٌ لأحزاب سياسية إسلامية عربية عديدة، مثل حزب الحرّية والعدالة (المصري) سابقاً، وحزب العدالة والتنمية (المغربي)، وحزب حركة النهضة (التونسي)، كانت في برامجها الانتخابية أقربَ إلى السياسات والأفكار الليبرالية، بينما نجد أنّ رؤية الإسلاميين الأردنيين متأثّرةً بالموقف الشعبي الناقد لصندوق النقد الدولي وللسياسات النيوليبرالية الاقتصادية الحالية المُطبَّقة في البلاد، وتتحدّث عن أرقام طموحة (ليست واقعية) عن تخفيض نسب البطالة والفقر وإعادة هيكلة السياسات الاقتصادية.
من المتوقّع أن يحافظ الإسلاميون في الأردن على مقعد الأقلّية المُعارِضة
في صعيد دور الدين في السياسة والمجتمع، قد لا نجد فرقاً يُذكر من حيث المضمون الواقعي بين ما يطرحه الإسلاميون وما تطرحه الأحزاب الوسطية والمحافظة الأخرى، فهنالك توافقٌ بينها على احترام الدين والقيم الإسلامية في إطار الأخلاق والتربية العامة، ويكاد يكون اليساريون الطرف السياسي الوحيد الذي لا يتطرّق إلى أهمّية الدين ودوره في المجال العام، بمعنى أنّ البعد الأيديولوجي (المتعلّق تاريخياً بفكرة الدولة الإسلامية أو فكرة تطبيق الشريعة الإسلامية بالمعنى الأيديولوجي وغيرها من أفكار شكّلت أيديولوجيا أبناء الجماعة في عقود سابقة) لم يعد موجوداً من ناحية واقعية، ولا يزيد النَفَس الإسلامي لدى الإسلاميين عن الشعارات والعبارات العامّة، التي يتشاركها معم الآخرون، فما الفرق إذاً بين الإسلاميين وغيرهم أيديولوجياً؟ هل يتّضح أنّ السياسات الاقتصادية لا تختلف جذرياً عند غيرهم والأفكار الإسلامية ليست حكراً عليهم؟ ... ربّما يكون الجانب التاريخي في العلاقة مع الدولة، بوصف الجماعة هي التي تمثّل المُعارَضة، التي تطالب بإصلاحات سياسية واقتصادية، وأيضاً الهُويَّة التي تنتمي إلى فصيلة الإسلام السياسي عربياً، وهي التي تمثّل التحدّي الأكبر للنظام الرسمي العربي، قوىً مُعارِضةً سياسيةً داخليةً، لكن لو فتّشنا أيديولوجياً وسياساتياً وفكرياً، فإنّ المسافات الفاصلة بين الإسلاميين والأحزاب الأخرى تكاد تكون محدودةً، في الأقلّ على صعيد الخطاب الفكري.