10 نوفمبر 2024
إجهاض ثورة يناير مطلباً
كانت انتفاضة الياسمين في تونس بداية النهوض ومصدر الإلهام، لكن ميدان التحرير في مصر فجر شرارة ثورة عربية شاملة، هددت أسس نظم الاستبداد في المشرق والمغرب، فكان لا بد من الانقضاض عليها في محاولة وأدها، بشراسة وبطش لا سابق لهما في التاريخ المصري الحديث.
لم يشكل شعار "عيش، حرية عدالة اجتماعية" خطراً على الأنظمة العربية فقط، بل على تبعية الأنظمة السياسية والاقتصادية لدوار القرار والمصالح العالمية، فهناك نظام عربي عالمي لا يسمح بإرادة سياسية مستقلة، أو ببناء اقتصاد وطني منتج.
لم تكن المجاميع الثائرة تفكر بكل هذه المعاني بالضرورة، لكن الإنسان المسحوق يفهم صعوبة الكفاح من أجل لقمة العيش، يفهم الضيم والظلم، لأنه يعيش تبعات ارتفاع أسعار الغذاء، وتقليص الأجور وانتشار التعذيب والقتل، فهذه لا تحتاج كتباً أو تنظيراً. فالانتفاضات الصغيرة، على مدى أكثر من ثلاثة عقود، كانت رسالة تجاهلتها الفئات الحاكمة، بل واجهتها، جميعها، من انتفاضة الخبز في عام 1977 إلى إضراب عمال مصانع المحلة الكبرى في عام 2008 بالقمع والاعتقالات، بل والتصفية الجسدية. فالحل الأمني هو الأمثل لإسكات المظلوم ومنع المطالبة بالحقوق، سواء القانونية أو المعيشية، فالمواطنة والمساواة والعدالة مفاهيم تم الدوس عليها ببساطير الأمن والتدخل في القضاء، حتى لا يكون هناك من نصير أو مجير.
بالنسبة للمواطن المصري، وجموع ميدان التحرير وغيرها، لم تتعد المطالب حقوق الإنسان الأساسية، لكن الصورة الأكبر هي الخطر على نظام عربي كامل، ودور وظيفي مطلوب من مصر، يقزّم قامتها السياسية والاقتصادية والثقافية، ويبقيها خاضعة لشروط أميركية، بل وإسرائيلية، ضيقت على خناقها منذ اتفاق كامب ديفيد. فأي تغيير جذري في مصر يعني عودتها إلى قيادة العالم العربي، وإلى دورها الأصلي في معادلة المواجهة مع إسرائيل، بمفهوم الردع وليس الحرب، وبمفهوم الخروج على دور وظيفي، يربط أهميته الإقليمية والدولية بتنفيذ الأجندة الأميركية في المنطقة، من إعلاء مصلحة إسرائيل إلى دخول الحروب الأميركية.
كان المواطن المصري مسكوناً برغيف العيش، لكن حق المواطن المصري برغيف العيش مرتبط بابتعاد مصر عن شروط المنظمات المالية الدولية، خصوصاً صندوق النقد الدولي، فدخلنا في محظورات المعادلة الدولية التي تحدتها شعارات ميدان التحرير وأغانيه بوعي، من نخبة النشطاء أو باندفاع ذكاء فطري من المجاميع الثائرة.
أما وجود الحرية والعدالة الاجتماعية في شعار واحد، فكان خطرا بحد ذاته، فقد تقبل بعض النخب المتنفذة شعار الحرية بمعنى ليبرالي ضيق، فالحكومات الغربية تعشق تمويل بعض جوانب الحقوق المدنية والاجتماعية، بشرط ألا تمس جوهر النظام الاقتصادي الاجتماعي السياسي الذي يتماهى مع مصالحه.
فالعدالة الاجتماعية ليست شعاراً براقاً جميلاً، بل تشترط تحولات جذرية، تتطلب تفكيك النظام وإعادة بنائه، وتنعكس في مواد الدستور، ويتم استكمالها في قوانين ونظم جديدة، وهذا أطلق صفارات خطر غير مسموعة للعامة، مثلما حدث في عواصم عربية وغربية على حد سواء.
لخصت صرخة الشعب المصري في ميدان التحرير طموحات الشعوب العربية إلى نظام عربي وعالمي جديد، ووضع الشعب المصري أمام قوة عاتية، لم يكن الثوريون مستعدين له، لأن الشعار بقي من دون رؤية أو خطة استراتيجية، ما سهل مهمة الثورة المضادة. واستهدف انقضاض هذه الثورة المضادة سياسياً، كل القوى الثورية العربية، حتى التي أيدتها خوفاً من الإسلاميين، فهمت هذه القوى أم لم تفهم، ولا بديل إلا العودة إلى شعار" عيش، حرية، عدالة اجتماعية"، وإلا علينا السلام.
لم يشكل شعار "عيش، حرية عدالة اجتماعية" خطراً على الأنظمة العربية فقط، بل على تبعية الأنظمة السياسية والاقتصادية لدوار القرار والمصالح العالمية، فهناك نظام عربي عالمي لا يسمح بإرادة سياسية مستقلة، أو ببناء اقتصاد وطني منتج.
لم تكن المجاميع الثائرة تفكر بكل هذه المعاني بالضرورة، لكن الإنسان المسحوق يفهم صعوبة الكفاح من أجل لقمة العيش، يفهم الضيم والظلم، لأنه يعيش تبعات ارتفاع أسعار الغذاء، وتقليص الأجور وانتشار التعذيب والقتل، فهذه لا تحتاج كتباً أو تنظيراً. فالانتفاضات الصغيرة، على مدى أكثر من ثلاثة عقود، كانت رسالة تجاهلتها الفئات الحاكمة، بل واجهتها، جميعها، من انتفاضة الخبز في عام 1977 إلى إضراب عمال مصانع المحلة الكبرى في عام 2008 بالقمع والاعتقالات، بل والتصفية الجسدية. فالحل الأمني هو الأمثل لإسكات المظلوم ومنع المطالبة بالحقوق، سواء القانونية أو المعيشية، فالمواطنة والمساواة والعدالة مفاهيم تم الدوس عليها ببساطير الأمن والتدخل في القضاء، حتى لا يكون هناك من نصير أو مجير.
بالنسبة للمواطن المصري، وجموع ميدان التحرير وغيرها، لم تتعد المطالب حقوق الإنسان الأساسية، لكن الصورة الأكبر هي الخطر على نظام عربي كامل، ودور وظيفي مطلوب من مصر، يقزّم قامتها السياسية والاقتصادية والثقافية، ويبقيها خاضعة لشروط أميركية، بل وإسرائيلية، ضيقت على خناقها منذ اتفاق كامب ديفيد. فأي تغيير جذري في مصر يعني عودتها إلى قيادة العالم العربي، وإلى دورها الأصلي في معادلة المواجهة مع إسرائيل، بمفهوم الردع وليس الحرب، وبمفهوم الخروج على دور وظيفي، يربط أهميته الإقليمية والدولية بتنفيذ الأجندة الأميركية في المنطقة، من إعلاء مصلحة إسرائيل إلى دخول الحروب الأميركية.
كان المواطن المصري مسكوناً برغيف العيش، لكن حق المواطن المصري برغيف العيش مرتبط بابتعاد مصر عن شروط المنظمات المالية الدولية، خصوصاً صندوق النقد الدولي، فدخلنا في محظورات المعادلة الدولية التي تحدتها شعارات ميدان التحرير وأغانيه بوعي، من نخبة النشطاء أو باندفاع ذكاء فطري من المجاميع الثائرة.
أما وجود الحرية والعدالة الاجتماعية في شعار واحد، فكان خطرا بحد ذاته، فقد تقبل بعض النخب المتنفذة شعار الحرية بمعنى ليبرالي ضيق، فالحكومات الغربية تعشق تمويل بعض جوانب الحقوق المدنية والاجتماعية، بشرط ألا تمس جوهر النظام الاقتصادي الاجتماعي السياسي الذي يتماهى مع مصالحه.
فالعدالة الاجتماعية ليست شعاراً براقاً جميلاً، بل تشترط تحولات جذرية، تتطلب تفكيك النظام وإعادة بنائه، وتنعكس في مواد الدستور، ويتم استكمالها في قوانين ونظم جديدة، وهذا أطلق صفارات خطر غير مسموعة للعامة، مثلما حدث في عواصم عربية وغربية على حد سواء.
لخصت صرخة الشعب المصري في ميدان التحرير طموحات الشعوب العربية إلى نظام عربي وعالمي جديد، ووضع الشعب المصري أمام قوة عاتية، لم يكن الثوريون مستعدين له، لأن الشعار بقي من دون رؤية أو خطة استراتيجية، ما سهل مهمة الثورة المضادة. واستهدف انقضاض هذه الثورة المضادة سياسياً، كل القوى الثورية العربية، حتى التي أيدتها خوفاً من الإسلاميين، فهمت هذه القوى أم لم تفهم، ولا بديل إلا العودة إلى شعار" عيش، حرية، عدالة اجتماعية"، وإلا علينا السلام.
مقالات أخرى
20 أكتوبر 2024
29 سبتمبر 2024
22 سبتمبر 2024