أي امرأة تدعمها الدولة المصرية؟
تثير التصريحات المتوالية، التي يطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسي، عن دور المرأة، انتباه كثيرين، ويصاحبها إطلاق مبادرات مهمة في فعاليات احتفالية بالمرأة والأسرة المصرية، والتي يجري خلالها توجيه رسائل سياسية معينة إلى المجتمع. وتعطي تلك التصريحات انطباعاً لبعضهم بانحياز الدولة المصرية لحقوق المرأة، وهو ما يحتاج نقاشاً هادئاً.
وانعكس هذا المسار في عدة خطواتٍ، منها إصدار تعديلات على القوانين الانتخابية هدفت إلى زيادة حصّة المرأة في مجلسي النواب والشيوخ، وكذلك في المناصب الوزارية، والتي وصلت إلى ثماني حقائب في الحكومة الحالية، وممارسة الضغوط على القضاء لتغيير موقفه من قبول تعيين المرأة في مجلس الدولة والنيابة العامة.
كما شهدت البنية التشريعية في السنوات الأخيرة إصدار تعديلاتٍ، منها تشديد العقوبة على الامتناع عن إعطاء الميراث للمرأة، وفي جرائم أخرى مثل التنمّر والاغتصاب وهتك العرض والختان والتحرّش الجنسي والخطف والاعتداء الذي يؤدّي إلى الإجهاض، إلا أن هذه التعديلات لم تؤدّ إلى حماية كافية للمرأة لغياب وجود حماية كافية للشهود. وضعف الإجراءات الخاصة بالتحقيق في هذه الشكاوى.
يبدو ذلك كله للوهلة الأولى إيجابيا، وداعما، بشكل نظري، تلك الحقوق التي نصّت عليها المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، إلا أن المفارقة هنا أن هذه الإجراءات لم تؤدّ إلى تحسّن حقيقي لحالة المرأة، حيث تتجاهل النساء في دلتا مصر وجنوبها والمرأة العاملة وربّات المنزل اللاتي لا يستطعن الوصول إلى عضوية المجلس القومي للمرأة أو غيره، ولم يسعفهن الحظّ للترشّح في قائمة انتخابية تحظى بدعم أجهزة الدولة. وهو ما يؤكّد أن الإدارة المصرية تدعم المرأة شكلياً فقط، بل هناك قطاع محدود بالذات، ممن ينجحن في التقرّب من أجهزتها ويتولين مواقع في المجالس النسائية والبرلمان، وهذا الدعم مشروطٌ بعدم توجيه انتقادات لتوجّهات النظام.
يتم إبراز العمل النسائي في قضايا المرأة، كالتعليم وسوق العمل والوظائف وغير ذلك، ودعم تلك الأنشطة طالما كانت بعيدة عن المعارضة السياسية
كما تسعى الدولة إلى إبراز حرصها على تبنّيها قضايا الفئات المستضعفة، ويبدو ذلك واضحا مع المرأة والمسيحيين وذوي الاحتياجات الخاصة، في محاولة لبناء ظهير جماهيري للنظام الذي كان بعضٌ منها مؤيدا له بالفعل عامي 2013 ـ 2014، إلا أن هذا التأييد خفت تدريجيا بشكل كبير في الأعوام الأخيرة، بسبب تردّي أوضاع تلك الفئات.
وهناك آليات يعتمدها النظام في اختيار النساء المفضلات لديه، ومنها المرشّحات في القوائم الانتخابية من أحزاب تحالف دعم الدولة، والتي تلعب الأجهزة الأمنية الدور الأساسي في اختيارها، وأغلب النساء اللواتي يمثلن جزءا من هذه القائمة مضمونة النجاح هن أقارب لقيادات تلك الأحزاب الحريصة على وضع قريباتها في مقاعدهن الاحتياطية، بحيث يتولين مواقعهن النيابية في حال وفاة هؤلاء النواب.
وفي حالاتٍ تعدّ على أصابع اليد، تدخل سيداتٌ معارضاتٌ، إلى حد ما، من أحزاب أخرى، تمثل جزءا من التحالف الانتخابي نفسه في محاولة لتقسيم الأدوار. وبالطريقة نفسها يجري اختيار النساء من العاملين في الوزارات المختلفة في المناصب القيادية في المجالس القومية، ويتم استخدام سلطة التعيين في هذه المجالس جزءا من سياسة العصا والجزرة لاستقطاب نشيطات المجتمع المدني أيضا بشرط دعمهن سياسات النظام، أو لعب دور المبرّر للانتهاكات المختلفة. كما يتم إبراز العمل النسائي في قضايا المرأة، كالتعليم وسوق العمل والوظائف وغير ذلك، ودعم تلك الأنشطة طالما كانت بعيدة عن المعارضة السياسية. ومع ذلك، يترنّح المؤشّر المصري بين الصعود والهبوط بالنسبة لبرنامج سدّ الفجوة بين الجنسين، حيث تأخّرت مصر إلى المركز 135 في أحدث تقرير صدر عن المنتدى الاقتصادي العالمي عام 2018. ولذلك أطلقت الحكومة عدة برامج اجتماعية واقتصادية، أبرزها مكافحة العنف ضد النساء، كما حظيت بدعمٍ ماليٍ أكبر من الرجل في مجال المشروعات الصغيرة.
تتعرّض النساء لكثير من انتهاك حقوقهن وتدهور أوضاعهن الاجتماعية، بسبب الأزمة الاقتصادية الحالية
على الجانب الآخر، تتعرّض النساء لكثير من انتهاك حقوقهن وتدهور أوضاعهن الاجتماعية، بسبب الأزمة الاقتصادية الحالية، والتي لا تقدّم المبادرات الجزئية في مجال الحماية الاجتماعية حلولا لها. ويأتي تزايد حالات الطلاق والانتحار بسبب تردّي أحوال الأسر المصرية، والتي تؤدّي إلى خلافات عائلية، تنتهي بالانفصال أو بضغوط نفسية على الطرفين، ومن ثم انتحار أحدهما.
والمرأة التي لا يعرفها الإعلام الرسمي هي الأكثر تضرّراً من كثيرٍ من تصرفات أجهزة الدولة، ومنها: نزع ملكية عشرات المناطق السكنية والجزر النيلية والمناطق التي تخترقها المحاور المرورية والجسور المختلفة، وهو ما يشبه التغيير الديمغرافي المتعمّد لأبناء الطبقتين الوسطى والفقيرة، حيث تعاني ملايين الأسر من الإخلاء القسري من منازلها ونقلها رغما عن إرادتها، وانتهاك حقّها في السكن الآمن. وامتدّت سياسة اليد الغليظة إلى النساء من خلال تعرّض الناشطات اللواتي يتبنّين رأياً مخالفاً لنظام الحبس الاحتياطي المطوّل، ومنهن صحافيات ومحاميات، لمجرّد نشر وبث فيديوهات تتضمّن نقدا لبعض السياسات، ولا يزال مئات منهن في السجون. كما تعرّضت سيدات للحبس سنوات طويلة، لمجرد قرابتهن من أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين وإصدار أحكام من قضاء أمن الدولة الاستثنائي أخيرا بالسجن مددا قد تصل إلى 25 عاما، ومنهن عائشة خيرت الشاطر، والمحامية والعضو السابق في المجلس القومي لحقوق الإنسان، هدى عبد المنعم، وسمية ناصف، وغيرهن.
في المجمل، تقوم الإدارة المصرية بتلك الإجراءات المحدودة بغرض إظهار دعمها حقوق المراة، سعيا إلى تعديل صورتها السلبية أمام الرأي العام الخارجي والحكومات الغربية. وفي المقابل، يتزايد انتهاك الحقوق السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية ضد المواطنين، والمرأة بشكل خاص تعاني بشكل أكبر إذا كانت معيلة للأسرة، ولا تتسامح مطلقا مع أي انتقاداتٍ في وسائل التواصل الاجتماعي، والتي يُحال أصحابها إلى نيابات أمن الدولة باتهاماتٍ غامضةٍ وشديدة العمومية، على شاكلة نشر أخبار كاذبة وإساءة استخدام التواصل الاجتماعي وهدم قيم الأسرة المصرية.