أوكرانيا: عام جديد من الحرب
تقترب الحرب الروسية على أوكرانيا من نهاية عامها الأول. يصعُب حصر حجم التغييرات التي فرضتها. تشعّب التداعيات لا يتوقف عند أوكرانيا وروسيا. أعادت الحرب خلط أوراق كثيرة على المستوى الدولي، وعلى صعيد علاقات روسيا بمحيطها، وبعلاقاتها مع دولٍ عديدة، تماماً مثل ما بدّلت في علاقات الدول الأوروبية بعضها ببعض وبين أوروبا والولايات المتحدة وداخل حلف شمال الأطلسي (ناتو).
وإذا كان الحديث عما إذا كان يمكن تفادي هذه الحرب قد ولّى بعد مرور عام عليها، يبقى السؤال: متى يمكن أن تنتهي هذه الحرب؟.. تقول معطيات الميدان إنه في هذه الحرب، على الأقل راهناً، لا غالب ولا مغلوب. حتى رئيس مرتزقة "فاغنر"، يفغيني بريغوجين، قلّص من حجم "الانتصارات" المتوقعة. وضع ما بين 18 و24 شهراً لإكمال موسكو سيطرتها على الشرق الأوكراني. وأثبتت المجريات سقوط الرهانات الروسية على إسقاط الحكم في أوكرانيا وإضعافه وعلى انهيار الجيش. حتى إن عديدا من خططها، بما في ذلك إسقاط كييف، تبخّر سريعاً، من دون أن يعني ذلك عجزها عن تحقيق جزء من أهدافها بعد التقدّم في الشرق وإعلان ضم المناطق الأربع لوغانسك ودونيتسك وزاباروجيا وخيرسون، رغم سيطرتها الجزئية عليها لتضيفها إلى جانب جزيرة القرم، التي كانت احتلتها منذ عام 2014.
ولأن الحروب تتوقّف بتسويات سياسية، فالسؤال: أي تسوية ممكنة اليوم لإنهاء هذه الحرب؟.. رغم وصول التوتر مرّات عدة إلى حافة الهاوية بين روسيا والحلف من جهة، وروسيا وأميركا من جهة ثانية، بسبب موقف "الناتو" وواشنطن من الغزو والذهاب إلى أشواط بعيدة في دعم كييف عسكرياً وسياسياً، وتلويح موسكو مراراً بورقة السلاح النووي، على قاعدة أن "هزيمة قوة نووية في حرب تقليدية قد تشعل حربا نووية"، إلا أن الأمور دائماً ما كانت تحت السيطرة. خطوط التواصل بين أميركا وروسيا لم تغلق يوماً، حتى إنها شهدت، في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، لقاء بين مديري الاستخبارات الأميركي وليام بيرنز ونظيره الروسي سيرغي ناريشكين. وتردّدت، في الأيام الأخيرة، مقترحات وساطة وتسريبات بشأن عروض تسوية.
مع تطور الحرب، حدّدت أوكرانيا مطالبها المبدئية لتشمل وقف النار، فضلاً عن انسحاب القوات الروسية من أراضيها إلى جانب اشتراطها الحصول على ضماناتٍ أمنيةٍ تمنع تكرار ما حدث لها وحمايتها. في المقابل، طرحت روسيا ورقة الضمانات الأمنية التي تريد من "الناتو" الالتزام بها، وأبرزها الامتناع عن ضم أي أعضاء جدد له، وعدم إنشاء أي قواعد جديدة في الجمهوريات السوفييتية السابقة، فضلاً عن تقديم رؤيتها إلى أوكرانيا المستسلمة ومنزوعة السلاح. وما بين الشروط والشروط المضادّة، تتبقى مساحة للتسوية مهما طال الزمن. روسيا والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي وكل الأطراف المنخرطة في الحرب في حالة استنزافٍ لا يمكن أن تدوم طويلاً. روسيا بعد الحرب لن تكون كما قبلها، لا سيما أن التغييرات التي تطرأ داخلها ليست هامشية، خصوصاً على صعيد إعادة توزع مراكز القوى داخل الدائرة المحيطة ببوتين وبروز المرتزقة منافسا للجيش في الميدان. كما أنه لا يمكن تجاهل التصريحات الصادرة عن مسؤولي "الناتو" والاتحاد الأوروبي عن حالة الاستنزاف القائمة، خصوصاً على صعيد التسليح، بما في ذلك تحذير الأمين العام للحلف، ينس ستولتنبرغ، من أن "المعدّل الحالي لاستخدام أوكرانيا الذخيرة أعلى بكثير من معدّل إنتاجنا". يضاف إلى ذلك تراجع الإجماع بشأن حجم الدعم المفترض أن تستمر الدول الأوروبية والولايات المتحدة في تقديمه لأوكرانيا. ولذلك، تتغير الظروف باستمرار ولا ضمانات ببقائها على حالها خلال العام الثاني، فيما يبقى المشترك في تصريحات الجميع أن الحرب ستنتهي عبر المفاوضات، وليس في الميدان.