أمين معلوف .. إخوتنا الغرباء

30 يناير 2022
+ الخط -

بينما كنتُ أقرأ السطر الأخير من رواية أمين معلوف، الأحدث بالعربية، "إخوتُنا الغرباء" (ترجمة نهلة بيضون، دار الفارابي، بيروت، 2021)، تذكّرت كلمة تستخدمها الفتاة البيروتية، وكذلك الشامية، عندما تُسأل عن مستوى الوسامة في خطيبها، فتقول: "بيعقّد". روايات هذا الكاتب، أمين معلوف، تعقّد فعلاً، لا مجازاً. والدليل أنّ كاتباً من أصدقائي اشتهر بقصصه القصيرة المتميزة، خطر له، ذات يوم، أن يكتب رواية، ففعل، وبعدما كتبها حصل، بالمصادفة، على رواية أمين معلوف "سمرقند"، قرأها فـ "تعقد"، وأقلع عن كتابة الرواية.

تقوم "إخوتنا الغرباء" على فرضية منطقية، أنّ العالم كلّه في خطر دائم، بسبب امتلاك دول كثيرة أسلحة نووية شديدة التدمير، ولا يوجد مَن يضمن لنا أن يكون كلّ القادرين على ضغط الزر النووي يوماً عقلاء. ومنها ينتقل إلى فرضيةٍ أخرى (غير واقعية)، تتجلّى بوجود قوة خفية قادرة على لجم ضاغطي الأزرار، ومنعهم من تدمير كوكبنا الجميل. من هنا، يباشر الكاتب لعبته الروائية، بإيهامنا بأنّ القوة الخفية التي تدخل على خط الأحداث حقيقية، ثم يذهب، في رحلة فنية، للكشف عن ملامح تلك القوة، وأساليبها، ومقدراتها.

الرسام "ألكسندر"، الملقب "ألك"، المقيم في جزيرة هادئة تدعى أنطاكية، ليس مدوّناً محايداً لأحداث الرواية، بل إنّه قبطانها، المساهم الفعال في صناعة أحداثها، تساعده على ذلك معرفتُه بالكاتبة الروائية "إيف" التي تقيم بجواره، والبحار أغاممنون الذي يتضح أنّه ينتمي إلى الجماعة الغامضة ذاتها، والسيد مورو، مستشار الرئيس الأميركي، ومعظم سكان الجزيرة.

لم يحدّد معلوف زمناً لأحداث روايته، لكنّه يشير إلى أنّه زمن لاحقٌ لتفكّك الاتحاد السوفييتي 1990، مفترضاً وقوع بعض الأسلحة النووية السوفييتية في أيدي أشخاص غير منضبطين، راحوا يهدّدون بها العالم الغربي، وهذا ما دفع الرئيس الأميركي هوارد ميلتون (اسم مستعار)، المصاب بالسرطان، إلى إصدار أوامره إلى القوات الأميركية للقيام بعملية هجومية استباقية ضد هؤلاء. وفي لحظة التنفيذ، يفاجأ الرئيس وصحبُه بانقطاع كلّ أنواع الاتصالات، ويتضح أنّه بفعل فاعل... ومن خلال ظهور هذا الفاعل في مواجهة الرئيس الأميركي وصحبه، يبدأ الكشف التدريجي عن الجماعة الغامضة التي ستُعرف، على مدار الفصول اللاحقة، باسم "أنصار أمبيدوقليس" وكلّهم ذوو أسماء يونانية، وربما كانت لهذا الأمر دلالته الرمزية: أنّ صانعي الحضارة الأوائل، الإغريق، يقفون الآن في وجه المتحضّرين الجدد، المتوحشين.

بعد رضوخ الرئيس الأميركي ميلتون لمشيئة أنصار أمبيدوقليس، يعده مندوبهم بمكافأة غريبة، وهي شفاؤه من السرطان إذا كان يرغب في ذلك. يفتح هذا الوعد باب الدراما الروائية على مصراعيه، فقبوله بالشفاء يعني تفريطه بحقوق أميركا، وهيبتها، والرفض يعني موته خلال زمن قصير. وتتمسّك زوجته بالوعد، وينقسم الناس بين مؤيدٍ لذلك ومعارض، إلى أن يقبل، ويشفونه بالفعل، ويستقيل طبيبُه الخاص، لأنّ العلم الذي يعرفه فقد قيمته... ليس سرطان الرئيس وحسب، بل شرعت السفن التابعة للجماعة الغامضة ترسو بالقرب من المدن الساحلية في مختلف أنحاء الأرض. وصار الناس يأتون بالألوف، ولا سيما بعدما شفي مصابون كثيرون على أيديهم، على نحوٍ يشبه المعجزات، وبدأت القيم والمفاهيم كلها تتخلخل، وما عاد الناس يعرفون طريقاً للخروج من هذا المأزق.

وتحصل، في أميركا، أزمة دبلوماسية، إذ ينقلب نائب الرئيس غاري بولدر على الرئيس، وتتولى زوجة الرئيس التصدّي له، وبعد توقف السفن الشفائية عن الرسوّ، تخرج مظاهرات في ثلاثة آلاف مدينة، في 140 دولة، قوامها 30 مليون متظاهر ومتظاهرة يطالبون بعودتها، بعدما أطلقت منظمة أميركية معارضة صواريخ وطائرات مسيّرة على إحدى السفن، أدت إلى مقتل 123 شخصاً. ثم يحصل الصلح، بحضور ملكة أنصار أمبيدوقليس "إلكترا"، وتلقي كلمة... وفي الختام، يقرّر ألكسندر وجارته الروائية تسمية مولودهما، إذا ما كان أنثى: إلكترا.

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...