09 نوفمبر 2024
أميركا.. دكتاتورية الرئيس
بشير البكر
بشير البكر كاتب وشاعر سوري من أسرة "العربي الجديد" ورئيس تحرير سابق
قال رئيس وزراء فرنسي من القرن الماضي (ريمون بار) "إذا كانت الولايات المتحدة بخير فالعالم كله بخير، والعكس صحيح". وكان بار، الخبير الاقتصادي، يتحدث من منظور اقتصادي وأخلاقي، فهو عُرف بنظرته الإنسانية للاقتصاد، ومعارضته الشديدة للشركات متعدّدة الجنسية التي هيمنت على الاقتصاد العالمي، كما وقف ضد العولمة المتوحشة، ودافع عن نظام دولي، أكثر عدلاً، لا يبتلع فيه الكبير الصغير، ورأى أن أميركا تعيش فوق إمكاناتها. ولذلك ستجد نفسها تحت طائلة الديون التي سيسدّدها الآخرون.
تظهر هذه الصورة بوضوح في الاختلاف بين رئيس أميركي وآخر. وهي تبدو نافرةً بين بيل كلينتون الذي ترك الاقتصاد في عافيةٍ بعد ولايتين، وبين خلفه جورج بوش الابن الذي بدّد كل ما ادخرته الخزانة الأميركية خلال حكم سلفه، عدا عن أنه أدخل العالم في سلسلةٍ من الحروب والتدخلات الخارجية، مثلما حصل في غزو العراق واحتلاله، وتسليمه لإيران وخلق الحاضنة لولادة إرهاب "داعش".
وصل الرئيس دونالد ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة رافعاً شعار "أميركا القوية"، وباشر فعلاً في تطبيق هذا الشعار، بعد أشهر من جلوسه في البيت الأبيض، بعقلية فوقية، ومنطق يضع المصالح التجارية للولايات المتحدة فوق مصالح البشرية. ولذا باتت الأولوية بالنسبة له هي تحصيل المال لخدمة مشاريعه.
حين يضع رئيس الولايات المتحدة الحالي، نفسه فوق القانون، فإنه يقدم مثالاً سيئاً، يمكن لكثيرين من نظرائه الرؤساء في العالم السير على منواله، خصوصاً الذين لم يصلوا إلى المنصب عن طريق صناديق الاقتراع، ولا يكترثون بالدساتير والقوانين الدولية. والأمر الذي يشكل صدمة ليس التصريح بأن ترامب قادر على إصدار عفو عن نفسه، بل هو مرور التصريح مرور الكرام في بلدٍ لا تتسامح فيه مؤسسات العدالة مع من يرتكبون التجاوزات، صغيرةً كانت أو كبيرةً، مهما كان الموقع الذي يشغله الشخص، ومثال ذلك الرئيس ريتشارد نيكسون وفضيحة ووترغيت والرئيس بيل كلينتون وفضيحة مونيكا لوينسكي.
وفي سابقةٍ لا مثيل لها، قال كبير محامي ترامب، رودي جولياني، قبل أيام، إن الرئيس محصّنٌ بالامتيازات الخاصة التي يمنحه إياها الدستور، بحيث لا تطاوله الإجراءات المرعية في حالات معينة، كالتي تدور حولها التحقيقات الروسية التي يتولاها المحقق الخاص، روبرت مولر. وبالنسبة إلى جولياني، لا يجوز "إجباره بمذكرة استدعاءٍ على الخضوع للاستجواب". وأضاف إن "الدستور منحه الصلاحيات لإنهاء التحقيقات.. وحتى لمنح عفو لنفسه".
يهدّد ترامب، بتصرفه على هذا النحو، التوازن بين السلطات الثلاث، التنفيذية والتشريعية والقضائية، ويحوّل الولايات المتحدة إلى دكتاتورية تضع الرئيس فوق المساءلة في بلدٍ يعتبر نفسه، منذ تأسيسه، دولة القانون والمؤسسات القائمة على الضوابط الصارمة. ويسود الاعتقاد أن ترامب يقود إلى أزمةٍ دستوريةٍ، حين ينتهي المحقق مولر من تحقيقه، وتقديم تقريره قريباً، ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى عاصفةٍ كبيرةٍ على أبواب الانتخابات النصفية للكونغرس، في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.
لا يبدو أن ترامب يتصرّف برعونة، بل إنه يسير بخطواتٍ مدروسةٍ، منذ ترشح للرئاسة، وهو لا يقيم اعتباراً للقوانين، وهذا ما بات يتم على المكشوف. ولذلك كان صدامه الأول مع وسائل الإعلام التي أراد أن يكممها، قبل أن يفتح حروبه مع القضاء والخصوم السياسيين، وهو يدرك دورها في كشف الفضائح السابقة، وخصوصاً "ووترغيت".
لن تكون معارك ترامب الداخلية من دون تفاعلاتٍ خارجيةٍ، بل هي سوف تحل برداً وسلاماً لدى الديكتاتوريين في العالم، لأنها ستوفر الغطاء لجميع الذين يعتبرون أنفسهم فوق القانون والقضاء وحقوق الإنسان، ويأمل هؤلاء أن يطول حكم الرئيس الأميركي لولاية ثانية، بل مدى الحياة.
تظهر هذه الصورة بوضوح في الاختلاف بين رئيس أميركي وآخر. وهي تبدو نافرةً بين بيل كلينتون الذي ترك الاقتصاد في عافيةٍ بعد ولايتين، وبين خلفه جورج بوش الابن الذي بدّد كل ما ادخرته الخزانة الأميركية خلال حكم سلفه، عدا عن أنه أدخل العالم في سلسلةٍ من الحروب والتدخلات الخارجية، مثلما حصل في غزو العراق واحتلاله، وتسليمه لإيران وخلق الحاضنة لولادة إرهاب "داعش".
وصل الرئيس دونالد ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة رافعاً شعار "أميركا القوية"، وباشر فعلاً في تطبيق هذا الشعار، بعد أشهر من جلوسه في البيت الأبيض، بعقلية فوقية، ومنطق يضع المصالح التجارية للولايات المتحدة فوق مصالح البشرية. ولذا باتت الأولوية بالنسبة له هي تحصيل المال لخدمة مشاريعه.
حين يضع رئيس الولايات المتحدة الحالي، نفسه فوق القانون، فإنه يقدم مثالاً سيئاً، يمكن لكثيرين من نظرائه الرؤساء في العالم السير على منواله، خصوصاً الذين لم يصلوا إلى المنصب عن طريق صناديق الاقتراع، ولا يكترثون بالدساتير والقوانين الدولية. والأمر الذي يشكل صدمة ليس التصريح بأن ترامب قادر على إصدار عفو عن نفسه، بل هو مرور التصريح مرور الكرام في بلدٍ لا تتسامح فيه مؤسسات العدالة مع من يرتكبون التجاوزات، صغيرةً كانت أو كبيرةً، مهما كان الموقع الذي يشغله الشخص، ومثال ذلك الرئيس ريتشارد نيكسون وفضيحة ووترغيت والرئيس بيل كلينتون وفضيحة مونيكا لوينسكي.
وفي سابقةٍ لا مثيل لها، قال كبير محامي ترامب، رودي جولياني، قبل أيام، إن الرئيس محصّنٌ بالامتيازات الخاصة التي يمنحه إياها الدستور، بحيث لا تطاوله الإجراءات المرعية في حالات معينة، كالتي تدور حولها التحقيقات الروسية التي يتولاها المحقق الخاص، روبرت مولر. وبالنسبة إلى جولياني، لا يجوز "إجباره بمذكرة استدعاءٍ على الخضوع للاستجواب". وأضاف إن "الدستور منحه الصلاحيات لإنهاء التحقيقات.. وحتى لمنح عفو لنفسه".
يهدّد ترامب، بتصرفه على هذا النحو، التوازن بين السلطات الثلاث، التنفيذية والتشريعية والقضائية، ويحوّل الولايات المتحدة إلى دكتاتورية تضع الرئيس فوق المساءلة في بلدٍ يعتبر نفسه، منذ تأسيسه، دولة القانون والمؤسسات القائمة على الضوابط الصارمة. ويسود الاعتقاد أن ترامب يقود إلى أزمةٍ دستوريةٍ، حين ينتهي المحقق مولر من تحقيقه، وتقديم تقريره قريباً، ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى عاصفةٍ كبيرةٍ على أبواب الانتخابات النصفية للكونغرس، في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.
لا يبدو أن ترامب يتصرّف برعونة، بل إنه يسير بخطواتٍ مدروسةٍ، منذ ترشح للرئاسة، وهو لا يقيم اعتباراً للقوانين، وهذا ما بات يتم على المكشوف. ولذلك كان صدامه الأول مع وسائل الإعلام التي أراد أن يكممها، قبل أن يفتح حروبه مع القضاء والخصوم السياسيين، وهو يدرك دورها في كشف الفضائح السابقة، وخصوصاً "ووترغيت".
لن تكون معارك ترامب الداخلية من دون تفاعلاتٍ خارجيةٍ، بل هي سوف تحل برداً وسلاماً لدى الديكتاتوريين في العالم، لأنها ستوفر الغطاء لجميع الذين يعتبرون أنفسهم فوق القانون والقضاء وحقوق الإنسان، ويأمل هؤلاء أن يطول حكم الرئيس الأميركي لولاية ثانية، بل مدى الحياة.
بشير البكر
بشير البكر كاتب وشاعر سوري من أسرة "العربي الجديد" ورئيس تحرير سابق
بشير البكر
مقالات أخرى
02 نوفمبر 2024
26 أكتوبر 2024
19 أكتوبر 2024