أميركا الصين... قمّة إدارة الخلافات

18 نوفمبر 2022

الرئيسان الأميركي بايدن والصيني شي جين بينغ في بالي في إندونيسيا (14/11/2022/فرانس برس)

+ الخط -

الخسائر العسكرية الروسية في أوكرانيا من بين عدة أسباب جعلت القمة الأميركية الصينية تنعقد في أجواء تميل إلى التفاهم، رغم التوتر العالي بين البلدين منذ وصول الرئيس جو بايدن إلى البيت الأبيض. وجاءت الصين، التي تعتبرها الولايات المتحدة أكبر تهديدٍ استراتيجي، إلى القمّة، وهي ترى بوادر خسارة الصديق الروسي، الذي كانت تراهن عليه ليحمل قسطا من عبء المواجهة بعيدة المدى مع الولايات المتحدة اقتصاديا وأمنيا وسياسيا. وفي هذه الأجواء من الحسابات المطبوعة بالحذر، وجد الطرفان نفسيهما على طاولة المفاوضات، وهما يتوخّيان نتائج واقعية، بما يخفّف من حدّة الخلافات، وعدم التصعيد للذهاب إلى مواجهة عسكرية في تايوان، وهذا أيضا درس آخر من بين نتائج الحرب الروسية على أوكرانيا، حيث فضّل الرئيس الروسي، بدلا من حل الخلافات مع أوكرانيا بالحوار، إرسال جيوشه إلى هناك، لتتكبّد خسائر فادحة، بينما كان طموحه أن يحتل أوكرانيا ويغيّر نظام الحكم فيها، لتكون رأس جسر له نحو بلدان أوروبية أخرى، كانت في عداد دول الاتحاد السوفييتي السابق. ويتحمّل الرئيس الروسي مسؤولية ذلك، لأنه قرأ الموقف الدولي على نحو خاطئ بعد الانسحاب الأميركي الفوضوي من أفغانستان في نهاية أغسطس/ آب 2021.

وانعقدت القمة بين بايدن ونظيره الصيني شي جين بينغ في جوٍّ من التوتر بين البلدين، ساد العلاقات خلال هذه السنة بسبب تايوان، وبلغ ذروته في أغسطس/ آب الماضي، حينما تحدّت رئيسة مجلس النواب الأميركي، نانسي بيلوسي، بكين، ولم تكترث بتهديداتها وزارت تايوان، وسجلت واشنطن نقطة في عملية ليّ الأذرع ضد بكين. ورغم أنها كانت قد توعّدت بتصعيد الموقف، امتصت الصين التداعيات والاستفزازات الأميركية المتكرّرة. ومن دون شك، يعود القسط الأكبر من سلوك التهدئة الصيني إلى الاستفادة من دروس حرب أوكرانيا، فبعد أن كانت بعض السيناريوهات ترجّح أن الصين ستحذو حذو روسيا، وتغزو تايوان عسكريا، غير عابئة بالتهديدات الأميركية، صار واضحا أن بكين أسقطت هذا السيناريو من حسابها، وباتت تميل إلى تفاهماتٍ مع الولايات المتحدة.

تدرك واشنطن حساسية الموقف مع بكين. لذلك وضعت ما يشبه خريطة طريق ترسم خطوطا عريضة للحوار على أساس إدارة الخلافات، وإنشاء بعض الحواجز الوقائية لمنع تحوّل المنافسات والنزاعات العديدة بين البلدين من التصعيد إلى صراع أوسع، وعملت على تحقيق نوع من الانفراج، على غرار وصف بايدن البلدين بالسفن التي يجب أن تبحر معًا في رياح المحيط والأمواج من دون الاصطدام. وكالعادة، وكما جرى في القمة الافتراضية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 بين الرئيسين، فرّقت واشنطن بين القضايا التي صنفت بعضها أنه يخضع للتنافس وأخرى للتوتر، وحدّدت المسائل الرئيسية بالوضع في كوريا الشمالية وتايوان والملاحة في بحر الصين، وفي إطار توجّهها للوصول إلى نتائج عملية وإعادة العلاقات إلى مسارها الطبيعي، أعربت عن دعمها سياسة الصين الموحّدة، ووقوفها ضد السياسات الأحادية في مضيق تايوان. وبعض هذا الكلام ليس جديدا ويحتاج إلى أفعال لتنفيذه، ولكن الإيجابي اتفاق الطرفين على آلياتٍ تنتج نظاما للتنافس، على عكس ما جرى في القمتين السابقتين الافتراضيتين، بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب والرئيس الصيني، وبين بايدن والرئيس الصيني. وكان ذلك مؤشّرا صريحا إلى تباعد المواقف، وفي حينه أصدر الجانبان بياناتهما الخاصة، حيث أكّد كل منهما على نقاط الخلاف القائمة منذ مدة طويلة. وكانت بمثابة عرائض من المظالم المتبادلة التي لم توفر سوى مساحة صغيرة للتسوية. ومن هنا، فإن اتفاق القمة على لجنة متابعة يعد إنجازا مهما على طريق إدارة الخلافات، التي ستكون كارثية على العالم، في حال لم يُسلك سبيل الحكمة.

شاعر وكاتب سوري من أسرة العربي الجديد
شاعر وكاتب سوري من أسرة العربي الجديد
بشير البكر
شاعر وكاتب سوري.
بشير البكر