أفق مفاوضات فيينا .. أسباب تعثّر العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني

26 ابريل 2022

مشاركون في إحدى جولات مفاوضات إحياء الاتفاق النووي مع إيران في فيينا (15/4/2021/ الأناضول)

+ الخط -

على الرغم من مرور أكثر من عام على انطلاق مفاوضات فيينا التي تهدف إلى إحياء الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، المعروف باسم "خطّة العمل الشاملة المشتركة"، وصدور تصريحاتٍ عن التوصل إلى "مسودة اتفاق"، فإن تلك المفاوضات لم تفض إلى اتفاق. وبعد اتصال أجري يوم 25 نيسان/ أبريل بين الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس الحكومة الإسرائيلي نفتالي بينت، نشرت صحف إسرائيلية تقديرات تستبعد التوصل إلى اتفاق.

أسباب تعثّر المفاوضات

لا تخفي الولايات المتحدة وإيران رغبتهما في العودة إلى الاتفاق النووي، كل لحساباته الخاصة؛ إذ تريد إيران أن تخفف وطأة العقوبات التي أعادت إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب فرضها عليها بعد انسحابها من الاتفاق النووي عام 2018، بموجب سياسة "الضغوط القصوى"، لإرغامها على القبول بتعديل اتفاق عام 2015، بما يسمح بقيود أكبر على برنامجها النووي وبرنامجها للصواريخ الباليستية، وسياساتها التي تعتبرها واشنطن مزعزعةً لاستقرار المنطقة، وهو الأمر الذي رفضته طهران. في المقابل، ترى إدارة بايدن أن تلك العقوبات، رغم تداعياتها الكبيرة على الاقتصاد الإيراني، لم تحقق أهدافها المنشودة، بل دفعت إيران إلى التملّص من القيود المفروضة على برنامجها النووي، بموجب اتفاق عام 2015، ورفعت من نسبة تخصيب اليورانيوم بدرجاتٍ كبيرة عبر أجهزة طرد مركزي أكثر تطورًا، ما قلّص ما يعرف بفترة "الاختراق" Break through التي تؤهل إيران، نظريًا، لصناعة سلاح نووي خلال فترة تراوح بين سنة وبضعة أسابيع فقط. وتسعى إدارة بايدن لإحياء الاتفاق النووي مع إيران أملًا أيضًا في تأمين مصادر جديدة للنفط والغاز، لتعويض انخفاض الصادرات الروسية جرّاء العقوبات الغربية عليها بسبب غزوها أوكرانيا، والتي أدّت إلى ارتفاع أسعار الطاقة عالميًا. وهذا أمر ترى فيه طهران فرصةً لرفع العقوبات عنها ولتحسين وضعها المالي والاقتصادي، والعودة إلى الاندماج سريعًا في الاقتصاد العالمي. وعلى الرغم من حاجة الطرفين إلى العودة إلى الاتفاق النووي، وهو ما تُرجم في آذار/ مارس 2022 في إعراب كل أطراف المفاوضات عن أملهم بقرب التوصل إلى اتفاق، فإنّ جملة من الأسباب ما زالت تحول دون ذلك، فيما يلي أهمها.

1. الخلاف حول رفع "الحرس الثوري" من قائمة الإرهاب

يتمثل السبب الرئيس الذي يحول حاليًا دون عودة الطرفين إلى الاتفاق النووي بشرط طهران رفع الحرس الثوري الإيراني من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية. وكان الرئيس ترامب صنّف عام 2019 الحرس الثوري الإيراني منظمةً إرهابية. ورغم أن هذا التصنيف غير مرتبطٍ بالاتفاق النووي، تصرّ إيران على إلغائه باعتبار الحرس الثوري أحد أفرع الجيش الإيراني. كما أن بقاءه في قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية قد يحرم إيران من جني بعض الثمار الاقتصادية للاتفاق النووي، باعتبار الحرس الثوري لاعبًا اقتصاديًا رئيسًا في إيران، وهذا يعني أن الشركات الغربية سوف تتردّد في ضخ استثمارات مهمة في الاقتصاد الإيراني.

تشترط طهران رفع الحرس الثوري الإيراني من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية 

لكن بعضهم يرى أن إدراج الحرس الثوري على قائمة المنظمات الإرهابية أو رفعه منها لا يعدو كونه مسألة رمزية، ذلك أن إيران مصنفة أميركيًا دولةً راعيةً للإرهاب، كما أن الحرس الثوري يخضع لعقوبات أميركية منفصلة من وزارة الخزانة. وقد حاولت واشنطن مساومة إيران على رفع الحرس الثوري من قائمة الإرهاب مقابل قبولها بمناقشة برنامجها للصواريخ الباليستية وسياساتها الإقليمية، إلا أنّ طهران رفضت ذلك. وبهذا، تبقى هذه المسألة عالقة بين الطرفين، حيث تتردد إدارة بايدن في اتخاذ القرار خشية إثارة عاصفة سياسية في الكونغرس وبين حلفائها الإقليميين، في حين لا يبدو أنّ إيران في وارد التنازل عن هذا الشرط.     

2. معضلة الضمانات

يتمثل الشرط الثاني الذي تطالب به إيران لإتمام العودة إلى اتفاق عام 2015 بأن تقدّم واشنطن ضماناتٍ بعدم الانسحاب من الاتفاق مستقبلًا وإعادة فرض عقوبات عليها في حال تغيرت الإدارة الأميركية. وتنطلق طهران هنا من تجربتها مع إدارتَي باراك أوباما ودونالد ترامب. فقد وقّعت الأولى الاتفاق النووي معها عام 2015، أما الثانية فتنصّلت منه عام 2018. أضف إلى ذلك أنّ الدول الأوروبية الموقّعة الاتفاق، ألمانيا وبريطانيا وفرنسا، فشلت في الوفاء بتعهداتها في توفير آلية بديلة تحمي الشركات الأوروبية من العقوبات الأميركية في حال استمرّت في التعامل الاقتصادي مع إيران. في المقابل، تشدّد إدارة بايدن على أنه لا يمكنها أن تفي بهذه المسألة؛ إذ إن الاتفاق النووي لا يحظى بصفة "معاهدة" ملزمة للولايات المتحدة، فذلك يتطلّب موافقة مجلس الشيوخ الأميركي عليها، وهو أمر غير ممكن في الأوضاع الحالية.

الاتفاق النووي لا يحظى بصفة "معاهدة" ملزمة للولايات المتحدة

وأقصى ما تستطيع إدارة بايدن تقديمه لطهران في هذا السياق هو ضمانة بعدم تعطيل الكونغرس اتفاقا توقّعه الإدارة الأميركية، فهذا يتطلب اعتراض ثلثَي أعضاء مجلس الشيوخ، وهو أمرٌ صعب المنال، رغم وجود ديمقراطيين متشكّكين في إحياء الاتفاق، إضافةً إلى جميع الأعضاء الجمهوريين. ورغم أن الكونغرس بمجلسيه، الشيوخ والنواب، أصدر قانونًا بأغلبية ساحقة بعد الاتفاق النووي مع إيران عام 2015، بعنوان: "قانون مراجعة الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015" (INARA)، فإنّ تنفيذ هذا القانون يخضع لأغلبية الثلثين أيضًا. 

  1. 3. الدور الروسي

بدا خلال آذار/ مارس 2022 أنّ واشنطن وطهران كانتا على وشك الإعلان عن استئناف العمل بالاتفاق النووي، فدخلت روسيا على الخط مطالبةً بإعفاء علاقاتها التجارية مع إيران من العقوبات الغربية الواسعة المفروضة عليها بسبب غزوها أوكرانيا، وهو الأمر الذي رفضه الأميركيون والأوروبيون. ولعلّ موسكو أرادت استخدام الاتفاق النووي وسيلةَ تفاوضٍ مع واشنطن، خصوصًا أنها الطرف الموكل إليه استلام اليورانيوم الإيراني العالي التخصيب وتخزينه، إلا أن حرص الإيرانيين أنفسهم على الاتفاق وتواصلهم مع الروس في هذا الشأن خفّف من حدّة موقف موسكو. ومن غير الواضح ما إذا كانت روسيا قد حصلت على ضماناتٍ من واشنطن بهذا الشأن، خصوصًا مع تأكيد وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في وقت لاحق، أن موسكو تلقّت الضمانات اللازمة من واشنطن بشأن التجارة مع إيران.

محاذير الاتفاق وغيابه

تواجه كل من واشنطن وطهران تحديات كبيرة في حال جرى استئناف الاتفاق النووي أو فشلت الجهود المبذولة في هذا الصدد، وفيما يلي أهم هذه التحدّيات:

1. أميركيًا

في ظل تحذيرات صدرت عن خبراء بارزين في منع الانتشار النووي مفادها أن إيران قادرة بعد أسابيع قليلة على إنتاج ما يكفي من اليورانيوم المخصّب المستخدم في صنع أسلحة نووية، تبدو إدارة بايدن على عجلة من أمرها في التوصل إلى اتفاق؛ لأن البدائل الأخرى تنحصر في تقبّل تحوّل إيران دولة "عتبة نووية"، وهو ما سيطلق سباق تسلح نووي في المنطقة، أو التوجه نحو حلولٍ عسكريةٍ لحسم أمر التسلح النووي الإيراني، وهو أمر تريد إدارة بايدن تجنّبه. وبموجب الاتفاق النووي لعام 2015، يمكن إيران تخصيب اليورانيوم بنسبة لا تزيد عن 3.67%، وأن لا يتجاوز مخزونها منه 300 كيلوغرام. إلا أنه بعد عام من انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق بدأت إيران في زيادة نسبة التخصيب إلى 4.5%، فضلًا عن استخدام أجهزة طرد مركزي أكثر تقدمًا. وفي كانون الثاني/ يناير 2021 أعلنت إيران أنها بدأت تخصيب اليورانيوم بنسبة 20%، ثمَّ 60%، بمعنى أنها قادرة فنيًا وتقنيًا خلال فترة قصيرة على الوصول إلى نسبة 90% من التخصيب لصناعة الأسلحة. مع ذلك لا تبدي واشنطن أي قلق حيال المسألة، فعلى الرغم من التحذيرات الجادة من اقتراب إيران من إنتاج ما يكفي من اليورانيوم العالي التخصيب، تقول الوكالة الدولية للطاقة الذرية إن تحويل هذه المادة إلى سلاح قد يستغرق عامين آخرين، ما يثير الشك في الفترات التي تحتاج إليها إيران لإنتاج السلاح النووي، والتي تنشرها الصحف الإسرائيلية والأميركية من خلال تسريبات من الحكومات مرارًا وتكرارًا لأغراض متعلقة بالضغط على إيران (في حالة إسرائيل)، وضرورة الإسراع في التوصل إلى اتفاق (في حالة الإدارة الأميركية). 

تبدو إدارة بايدن على عجلة من أمرها في التوصل إلى اتفاق؛ لأن البدائل الأخرى تنحصر في تقبّل تحوّل إيران دولة "عتبة نووية"

في المقابل، هناك رأي آخر في واشنطن لا يبدو متحمسًا لإحياء الاتفاق النووي مع إيران، باعتبار أنه سيكون أضعف من الاتفاق الأصلي لعام 2015. ويقول إن فترة "الاختراق" النووي الإيراني في الاتفاق الجديد ستكون أقصر من سابقتها، ذلك أن إيران بعد انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق تستخدم أجهزة طرد مركزي أكبر عددًا وأكثر تطورًا، إضافة إلى أن آجالا في الاتفاق الأصلي لتخفيف القيود على البرنامج النووي الإيراني قد اقترب أوانها، وليس من الواضح ما إذا كان سيجري تمديدها أم لا في أي اتفاق جديد. ويحذّر هؤلاء أيضًا من أن إحياء الاتفاق النووي مع إيران من دون أن تعالج سياستها الإقليمية "المزعزعة" للاستقرار وبرنامجها للصواريخ الباليستية سيضع تحت تصرّفها موارد مالية كبيرة سيخصَّص جزء منها لدعم وكلائها الإقليميين. ويردّ أنصار العودة إلى الاتفاق بأن الولايات المتحدة وحلفاءَها الإقليميين سيستمرون في التصدّي لتلك النشاطات، لكن خارج الاتفاق النووي.    

2. إيرانيًا

تريد إيران، أيضًا، التوصل سريعًا إلى إحياء الاتفاق النووي؛ فتأخّره يعني استمرار العقوبات الاقتصادية عليها وحرمانها من الفرصة المتمثلة بانخفاض الصادرات الروسية من النفط والغاز للعودة بقوة إلى سوق الطاقة العالمية، حيث يمكن أن تجني مليارات الدولارات. وتطمح إلى أن تتمكّن من الوصول إلى نحو 100 مليار دولار من أموالها المجمدة بسبب العقوبات. وتخشى، كذلك، من أن فشل العودة إلى الاتفاق النووي قد يدفع فرنسا وبريطانيا وألمانيا إلى تفعيل بند العودة إلى العقوبات Snapback المنصوص عليه في اتفاق عام 2015، والتي من شأنها أن تعيد فرض مجموعة من العقوبات التي أقرّها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بموجب هذا الاتفاق.

معضلة إيران الأبرز تتمثل بغياب آلية تمكّنها من ضمان عدم انسحاب واشنطن من الاتفاق في حال تغيّرت الإدارة الأميركية

في المقابل، تدرك إيران أن العودة إلى الاتفاق النووي ستكون محكومة بالإطار العام لاتفاق عام 2015، ما يعني الخضوع لآليات المراقبة والتفتيش والتنفيذ المنصوص عليها فيه، ولذلك تسعى إلى الحصول على تنازلات أميركية منسجمة مع التطورات التي طرأت على برنامجها النووي وقدراتها منذ عام 2019 بعد انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق، إلا أن معضلة إيران الأبرز تتمثل بغياب آلية تمكّنها من ضمان عدم انسحاب واشنطن من الاتفاق في حال تغيّرت الإدارة الأميركية واستمرّت في الوفاء بالتزاماتها بموجبه.

خاتمة

من الصعب الجزم ما إذا كان الطرفان الأميركي والإيراني سيتمكّنان من تجاوز نقاط الخلاف العالقة بينهما، رغم أن كليهما يريد العودة إلى الاتفاق النووي. ويبدو واضحًا أنّ روسيا غير متحمسة راهنًا لاتفاقٍ يخفّف الأعباء الأميركية على الساحة الدولية، وتشاطرها الصين موقفها هذا. كما أن معارضة بعض حلفاء واشنطن الإقليميين لإحياء الاتفاق النووي مع إيران، مترافقة مع معارضة واسعة في الكونغرس، حتى بين الديمقراطيين، تجعلان مهمة العودة إلى اتفاق مع إيران أشد تعقيدًا بالنسبة إلى إدارة بايدن. ولا تستطيع إيران العودة إلى الاتفاق النووي من دون تلبية أهم مطالبها، إذ سيلغي ذلك أي مكاسب تتطلع إليها من ورائه. ومع ذلك، تبقى الفرصة قائمة في نجاح الطرفين في تجاوز خلافاتهما، فلكليهما مصلحة في ذلك. وإذا ما جرى إيجاد تسوية، فإن بايدن غير محكوم برضا حلفاء بلاده الإقليميين، ولا حتى الكونغرس.