أستانة 16 والمبعوث الروسي في دمشق

04 يوليو 2021
+ الخط -

منذ دخول القوات الروسية سورية، كانت المهمة الأساسية التي وضعها فلاديمير بوتين لنفسه تأمين نصر ميداني واضح، وإطلاق عملية سياسية تعيد تثبيت النظام على الأرض التي يمكن الحصول عليها. لم يكن الهمّ الروسي منصبّاً على إعادة جميع الأراضي التي خسرها النظام لصالح مجموعاتٍ متنوعةٍ ومختلفة الولاءات، بل كان إعادة تجميع أكبر مساحةٍ ممكنة، وقد تحقق لروسيا ذلك، بعد معارك طويلة استنزفت منها الكثير، وشارك إلى جانبها النظام بقواته، أو ما تبقى منها، وإيران بمليشياتها التي وجدت حليفاً تكتيكياً يفيد المرحلة. كان الروس، خلال ذلك، يحاولون بناء تحالفٍ مع الجانب الأميركي لإعادة تعويم النظام. وقد تكون صفقة تسليم نظام الأسد السلاح الكيميائي عام 2013، بوساطة روسية، محاولةً لكسب ثقة الجانب الأميركي، وتشكيل التحالف المطلوب معه. لكنّ الولايات المتحدة اعتبرت تنازل روسيا بخصوص السلاح الكيميائي السوري ثمناً لوقف عملية عسكرية أميركية ضد النظام، وفشلت كلّ محاولات روسيا في تحقيق التقارب مع الولايات المتحدة بشأن سورية عبر رئيسين أميركيين من حزبين مختلفين. واختارت أميركا، بدلاً من ذلك، التقرّب من إحدى جبهات المعارضة والتحالف معها، وسيطرت على ثلث سورية، في موقفٍ يبدو أنّه نهائي ولا رجعة عنه. أراد بوتين أن يعوّض القصور الكبير في جبهته السياسية، واستفاد من ظروف سياسية خاصة، فعقد تحالفاً آخر ضم إليه تركيا وإيران في مسار جديد ومنافس للمسار الدولي في جنيف، وسمّي "أستانة".

حاولت روسيا من خلال "أستانة" كسب موافقة إقليمية، وإنْ كانت ضيقة، فهي بحاجةٍ إلى إطار، مهما كان حجمه أو مكان وجوده، لتضفي قبولاً على تموضعها في سورية، وهي بحاجةٍ إلى نقطة انطلاق لقطف ثمار سياستها فيها، بمحاولة تثبيت الحليف في دمشق، وإنعاشه اقتصادياً وسياسياً، لينفذ سياستها "المفيدة". توجهت روسيا إلى تركيا ودول الخليج، أما إيران فوجودها مضمون، وأدّى سيرغي لافروف ومسؤولون روس آخرون عدة جولات خليجية، واستغلت روسيا في ذلك مجيء جو بايدن رئيساً للولايات المتحدة، وموسم فتوره مع دول الخليج العربية. لكنّ الجهد الروسي لم ينل إلّا نجاحات قليلة، لم تفضِ إلى تطبيع مع النظام.. كان وجود تركيا حاسماً في انطلاق مسار أستانة واستمراره. وعلى الرغم من فشل اجتماعاته الواحد بعد الآخر، تبدو روسيا راضيةً عن انعقاده المرّة بعد المرّة في كرنفالٍ تستعرض فيه قوة سياستها، وقد أنجزت حتى الآن 15 اجتماعاً، وهي تحضّر بنشاط ملحوظ من خلال مبعوثها الخاص إلى دمشق لعقد الجلسة الـ16.

عُقدت كلّ اجتماعات أستانة تحت عناوين ناتجة عن الحرب السورية، ولم تتطرّق بجدّية إلى جوهر المشكلة، وهي طبيعة النظام التي نشأ عنها الراهن الخطير، والحلقة السادسة عشرة من أستانة لا تشذّ عن المسار، فالعناوين هي: تبادل "الأسرى"، والمساعدات، ووقف شامل لإطلاق النار... وهذه عناوين يقف فيها النظام على قدم المساواة مع المعارضة، فهو بحاجةٍ لمساعدات ولديه أسرى وجبهات ما زالت مشغولةً بإطلاق النار، وهي فرصةٌ دوليةٌ يستغلّها النظام لعرض ما يواجهه من صعوبات، بما قد يساعده في الإفلات من بعض العقوبات المفروضة عليه، من دون أن يعطي المؤتمر أيّ إضافةٍ للمعارضة التي يعرف العالم كلّه ما تواجهه، ووراءها عشرة ملايين سوري مهجّر في الداخل والخارج، وتصارع من أجل معبر واحد أو اثنين تكون لها اليد الطولى في إدارتهما، وتوزيع المساعدات التي تأتي منهما. ومن المرجّح ألّا توافق روسيا على قرار تمديد إدخال المساعدات من باب الهوى بشكله الحالي، لكنّ المعارضة لا تجد طريقاً آخر غير قبول الحضور والتوقيع على البيان النهائي الذي سيؤكّد على قرارات الأمم المتحدة ووحدة الأراضي السورية، وباقي الديباجة المعروفة التي لا أحد يقرّر الإصرار على تحقيق بنودها بشكل مبدئي.