أسئلة مشروعة بشأن منتدى الشباب العالمي

14 يناير 2022

السيسي وضيوفه وحضور افتتاح منتدى الشباب العالمي في شرم الشيخ (10/1/2022/الأناضول)

+ الخط -

اختتمت الدورة الرابعة لمنتدى الشباب العالمي في مدينة شرم الشيخ، والتي باتت مكانا مفضلا في مصر لعقد المؤتمرات الدولية والسياحية والشبابية، كما كانت في ظل نظام حسني مبارك. ويجمع هذا المنتدى آلافا من الشباب المصريين والأجانب، وقد نوقشت في دورته، الأسبوع الجاري، من الموضوعات مواجهة التغيرات المناخية، ومستقبل الرعاية الصحية في عالم ما بعد الجائحة، واستعرض التجارب التنموية في مواجهة الفقر، ومنها مبادرة "حياة كريمة" التي تحظى برعاية أساسية من الجانب الرئاسي نفسه، وتتمتع بجانب كبير من الترويج الإعلامي المصري. كما ناقش المنتدى دور الشركات الناشئة والصناعات الصغيرة والمتوسطة لمواجهة التداعيات الاقتصادية الناتجة عن أزمة وباء كوفيد - 19. وتضمنت أجندته ما تسمّى ساحة الابتكار والإبداع، والتي تجمع الناس والشعوب معا من خلال لغة مشتركة، هي التكنولوجيا، ويشمل أيضا نموذجا لمحاكاة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة تحت عنوان "تداعيات جائحة كوفيد - 19 على إعمال الحق في الصحة". والغريب أن الحكومة المصرية لا تلتزم بالتوصيات التي وافقت عليها والمقدّمة من مجلس حقوق الإنسان. .. ويطرح عقد المنتدى أسئلة مشروعة في هذا السياق:

أولا: سؤال الجدوى والفعالية من عقد هذه النوعية من المنتديات، وهل أدت الفعاليات الثلاث السابقة إلى تحقيق أهداف ما على المستوى الداخلي أو الخارجي؟ هل استطاع أحد تقييم التوصيات المقدّمة في الدورات السابقة، وما نفذ منها وما لم ينفذ؟ على سبيل المثال، خرج المنتدى السابق بعشر توصيات، تتعلق أغلبها بالساحة الأفريقية بإطلاق مبادرات للتحوّل الرقمي، ومكافحة القرصنة الرقمية وإنشاء منصة رقمية للمرأة، وإطلاق ما يسمّى البرنامج الرئاسي لتدريب الشباب الأورومتوسطي على القيادة وإنشاء اللجنة الأورومتوسطية لمكافحة الكراهية على الفضاء السيبراني. هل تحقق من هذه المبادرات شيء، أو كانت ذات جدوى لتحقيق أي تنمية داخلية أو أفريقية. للأسف، لم يحدث.

ثانيا: سؤال الهدف. هل يتمثل الهدف من المنتدى تسويق صورة مصر بلدا سياحيا، أم تسويق القوة الناعمة باحتضان بعض المبادرات الداخلية والخارجية؟ أم يسعى إلى إعطاء صورة إيجابية للنظام السياسي، على الرغم من كل القيود المفروضة على الحريات العامة والخاصة؟ والانتقادات الدولية لسجل حقوق الإنسان، وهل أدّى إلى تسويق الموقف المصري في أزمة سد النهضة مثلا بين البلدان التي ينتمي إليها المشاركون؟ كما يبدو هذا المنتدى منفصلا تماما عن جمهور المواطنين ومشكلاتهم الأساسية في العيش بكرامة.

عقد المنتدى في مناخ سياسي خانق، تحاصر فيه الدولة في مصر الأحزاب السياسية المعارضة

ثالثا، سؤال التوقيت. يثير عقد المنتدى تساؤلا آخر في ظل انتشار جائحة كورونا وتحوراته، وخصوصا أوميكرون، والتي بدأت دول أوروبية بسببه إعادة الإغلاق الجزئي مرة أخرى، وعقد أي اجتماعات عن طريق الإنترنت. وعلى الرغم من إجراءات احترازية تحدّث عنها المنظمون، إلا أن هذا يظل غير كاف، ويعرّض المشاركين فيه لاحتمالات الإصابة.

رابعا، يخص السؤال الأهم الجانب المادي وتمويل هذه الأنشطة. تفيد المعلومات بوجود رعاة رسميين ينفقون على المنتدى، ولم تتحمل الدولة أي تكاليف مالية. والرعاة شركات استثمارية ومنظمات وبنوك ووزرات وجامعات، ما يستتبع أسئلة فرعية أخرى، منها: ما الاستفادة التي تعود على تلك الشركات، وهل ستحظى هذه الشركات بفرص استثمارية أعلى من غيرها ممن لم يشارك في هذا التمويل مثلا؟ هل للجامعات أو الوزارات ميزانية مستقلة عن ميزانية الدولة تستطيع المساهمة في تذاكر السفر والإقامة و الفعاليات. ألم يكن الأجدى أن تطوّر تلك الجامعات التعليم العالي لديها، أو تطوّر عمل المرافق الحكومية بدلا من هذا الإنفاق الذي قد لا يعود على الدولة بنفعٍ يقابل ما صرف على فعاليات المؤتمر؟

ويعقد هذا المنتدى في ظل مناخ سياسي خانق، تحاصر فيه الدولة في مصر الأحزاب السياسية المعارضة، ولا يتضمن أي تمثيل من أحزاب التيار الديمقراطي المعارض. فضلا عن وجود آلاف الشباب لمجرّد ممارسة حقوقهم في حرية الرأي والتعبير. وعندما يقول المنظمون إن المنتدى يمثل منصة حوار شبابية عالمية، ألم يكن من الأجدى القيام بحوار حقيقي بين شباب هذا الوطن ومن ضمنهم شباب العمال والفلاحين؟ ويشمل كذلك أحزاب المعارضة وممثلي النقابات المهنية والعمالية والشخصيات العامة والمنظمات غير الحكومية المستقلة الذين يُمنعون من إبداء آرائهم بالإسهام في حوار سياسي فعال بشأن التوجهات السياسية والاقتصادية للإدارة المصرية، ومدى التزامها بنصوص الدستور والمواثيق الدولية في احترام حرية الرأي والتعبير وحرية التنظيم والمشاركة في العمل العام. حيث لا تسمح الدولة بنشاط فاعل للأشكال السياسية سوى التي تدعمها أجهزة الدولة، ومن أهمها تنسيقية شباب الأحزاب السياسية، والتي تضم الشباب المنتمي لتحالف أحزاب دعم مصر، وتعتبر من أقوى التشكيلات الشبابية اعتمادا على دعم الإدارة والأجهزة الأمنية المختلفة، ويحظى اختيار أعضاء هذا التحالف بحصّة سياسية في تعيينات مجلسي النواب والشيوخ، ومساعدى الوزراء والمحافظين.

لا تنتج عن المنتدى خطوات حقيقية في تحريك منهج الحوار داخليا، كما لا يحقق نجاحاتٍ فعليةً على مستوى الخارج

خامسا: ما الذي يمثله هذا المنتدى للشباب أو لقيادة الدولة، وبالأساس الرئيس عبد الفتاح السيسي؟ أحد وظائف المنتدى إعطاء مساحة للإدارة المصرية في ترويج سياسات الرئيس للرأي العام، المحلي والدولي، وللتمهيد لها، والتأكيد على مسلّماته الأساسية التي يعبر عنها في كل فعالية سياسية باعتبار أي معارضة أو احتجاج سلمي جزءا من مشروع "هدم الدولة"، وتبرير سياسات النظام في المجال الاقتصادي. كما يمثل المؤتمر بالون اختبار لبعض التصريحات السياسية، والتي تمهد المناخ، قبل إصدارها في صورة قوانين لاحقا من البرلمان.

وبالنسبة للشباب المصري، يمثل المنتدى أداة لاستيعاب جزء كبير منهم، خصوصا الذين يمتلكون مهارات إلكترونية وإدارية، ويرغبون في لعب دور ما، على الرغم من عدم ممارستهم أي عمل سياسي سابق في جامعاتهم، أو في أي حزب سياسي، إلا ضمن أحزاب تحالف دعم الدولة، بشرط التأكد من ولائهم للنظام السياسي عبر الدورات التثقيفية لأكاديمية ناصر والأكاديمية الوطنية لتدريب الشباب التي تتبنّى مقولات حروب الجيلين، الرابع والخامس، وخطورة نشر الشائعات على استقرار الوطن. وتمثل المشاركة أيضا بابا لتولي مناصب إدارية وسياسية أعلى داخل هذه الأحزاب، أو داخل أجهزة الدولة، كما أن مشاركتهم تعني إرضاء أجهزة الدولة عنهم، ما يسمح لهم فيما بعد للترشّح في الانتخابات البرلمانية والنقابية لاحقا. ويسمح المنتدى أيضا بإثارة النقاش في قضايا ترغب الدولة بإثارتها، ووفق منهج محدّد يسمح بتمريرها لاحقا. وتلعب هذه النقاشات دورا تبريريا لسياسات الدولة، وخصوصا سياسات الرئيس ومواقفه.

في النهاية، لا تنتج عن المنتدى أي خطوات حقيقية في تحريك منهج الحوار داخليا، كما لا يحقق نجاحاتٍ فعليةً على مستوى الخارج، إلا في إطار التسويق المؤقت للنظام السياسي، ولا يؤدّي إلى تغيير صورة الدولة المنتهكة لحقوق الإنسان، فتقرير لمنظمة حقوقية مصرية أو دولية كفيل بتغيير أي صورة إيجابية لدى المشاركين في المنتدى.