أدب الفراق
يمكنك أن تتساءل بينك وبين نفسك مرارا كيف يمكن أن يتحوّل الأحبّة إلى أعداء فجأة، وكيف يمكن أن تتحوّل كلمة الجمع إلى كلمةٍ تعبر عن المفرد، بل تعبّر عن الأنانية أو حتى فلنقل إنها تعبّر عن فردٍ يفكّر بنفسه، ويريد أن ينجو بها فقط، من دون أن يفكّر بأي فرد آخر كان ذات يوم يعيش معه مثلا تحت سقفٍ واحد، وكان يأكل معه فوق مائدة طعام واحدة، وكان يتحدّث معه أمام الجميع بصيغة "نحن" مثل أن يقولا: بيتنا ومطبخنا وأولادنا ومصروفنا، ثم فجأة ينفضّ هذا كله، ويصبح الجميع غرباء، يتساءل كل فرد من طرفٍ قصي: ما الذي ألقى بك في طريقي؟
الطلاق أو الفراق أو نهاية علاقة زوجية هي نهاية طبيعية لأي علاقةٍ مهما كانت مؤلمة، ولكنه نهاية لأي علاقةٍ مثل نهاية العمل في مؤسّسة لم تقدّم للموظف ما يتوقّعه، ولم يقدّم فيها الموظف المهام المطلوبة منه. ورغم شعور الطرفين بالظلم، إلا أن العلاقة تنتهي بقرار. وهكذا، من المفروض والمحبّذ أن تنتهي علاقة الزواج بقرار ممهور بتوقيع على ورقةٍ، ثم يدير كل واحد ظهره للآخر ويمضي، مثل الموظّف الذي يبدأ في البحث عن عملٍ، لاعنا في نفسه المؤسّسة التي لم تقدّر مهاراته، ولكنه يوقن في اللحظة ذاتها بأنه لو قبع في بيته، واستمرّ في لعن المدير وكيل الشتائم لنائبه فسوف يتضوّر جوعا.
من الوقائع المسلّم بها أن الطلاق، أي الفراق بين أي زوجين، يحدُث كل يوم، بل كل لحظة في هذا العالم، ولو أن الطلاق لا يحدُث ربما اختنقت الأرواح في البيوت ولتحوّلت البيوت التي كانت يوما أنيسة إلى قبور، وخصوصا للزوجة التي لا تستطيع أن تتّخذ قرار الانفصال بسهولة، وهي تعرف جيدا العواقب المجتمعية لذلك بحقّها أولا وبحقّ أطفالها الذين يدفعون ثمن علاقة مشوّهةٍ، لم تبن بناء قويما، فكان لا بد أن تنتهي.
لو أن الطلاق يحدُث بتلك الطقوس الجميلة والمرتّبة والراقية التي يحدُث فيها الزواج لما كانت كل هذه المشكلات والمآسي التي تحدُث في العالم، ولما اكتظّت قاعات المحاكم ومكاتب المحامين بالأزواج والزوجات الذين أصبحوا خصوما، ولو أننا ضحكنا بسخريةٍ حتى مالت رؤوسنا إلى الوراء، لقلنا إن هذا يحدُث، لأن هناك من ينتفعون من قرار الطلاق وتبعاته، ومنهم المحامون أولا والمحاكم ثانيا التي تجبي الرسوم وتتمادى في الإجراءات حتى ينتهي الأمر، ولكن ليس بسرعة ولا سهولة مثلما حدث حين وقّع الطرفان على عقد الزواج، وقلباهما يرتعشان بالأمل والحلم.
المؤسف أن الطلاق أو الفراق يحدُث بتبعات عاصفة بعيدة تماما عن الأخلاق والمبادئ والاحترام، وقد شهدت ساحات عالم "السوشيال ميديا" أخيرا، وفي أصغر بقاع الأرض وأكثرها كثافة، أي في غزّة، واقعة محزنة، حيث تطاول طرفان انتهى بهما الحال إلى الطلاق بعضهما على بعض. وكانت المرأة بالطبع هي الضحية، والتي شوّهت سمعتها وكيلت لها الاتهامات التي تمسّ شرفها، وساهمت تقنياتٌ حديثةٌ متوفرة وسهلة في مواقع التواصل الاجتماعي في التشهير بها، فلم يعد الأمر يحتاج لكي تقف جارةٌ في شرفتها وتبث للجارة التي تتحرّق شوقا ولهفة الأخبار في الشرفة الأخرى، فالأخبار المشينة والفضائح التي أمرت كل الأديان على الأرض بضرورة سترها أصبحت تصل إلى الجارات والصديقات وللكبار والصغار والباعة والسائقين بكل سهولة، وبضغطات واهية على أزرار الهواتف المحمولة، والتي باتت لا تفارق الأيدي، بحثا عن كل جديد، وفي تساؤل محموم عن الفضيحة المقبلة.
تعرّضت امرأة مطلقة، تصنّف تحت مسمّى "مؤثرة"، وتستقطب آلاف المتابعين من خلال محتويات منوّعة تقدّمها، وإن ليست في شهرة المطربة المصرية شيرين، وفضائح طلاقها وعودتها إلى زوجها، لتشهير ومحاولة ابتزاز، وقضيتها نموذج سيئ لانهيار أو تلاشي أدب الفراق في مجتمعاتنا، والسبب الأول لذلك تلاشي قيمة الأسرة والبيت الذي بُني من الأساس من الرمال.