أخطر ما في أزمة الجزائر والمغرب
هناك قضايا في العالم من النوع الذي تكاد تجزم بأنه عصي على أيّ حل. تشابُكاتها وتعقيداتها ووقوعها في مناطق جغرافية استراتيجية، ثم ثقل التاريخ عليها وانعدام كفاءة الناطقين باسمها ورائحة الدم التي تفوح منها، فضلاً عن تناسلها في بلدان غير ديمقراطية لم تتمرّن على حل مشكلاتها سلمياً، جميعها تترك انطباعاً راسخاً بأنها قضايا ميؤوس منها. مؤكد أن قضية الصحراء، المغربية أو الغربية (الاستعصاء يبدأ من هنا، من الاسم)، هي من بين تلك الملفات، وهي التي ينسب معن البياري لبطرس غالي وصفه إياها بأنها ثاني أعقد قضايا العالم (بعد قبرص). لكن أن تكون العلاقات بين بلدين جارين كالمغرب والجزائر عصية على الحل في زمننا، فإنما ذلك لا يدخل في باب المسائل المستحيلة، إنما هو من فئة القضايا السياسية التي لا سياسة فيها ولا حسابات ربح وخسارة، بل مجرد عبثية، وهي ككل العبثيات، سمتها العلاقات الصفرية، عنوانها: خاسر ـــ خاسر.
قطْع الجزائر علاقاتها مع المغرب لم يكن الحدث المفصلي في تلك السيرة التي لا تليق إلا بالأعداء. سبقتها عقود من النكايات السياسية التي يصعب التصديق بأنها تجري بين بلدين متلاصقين في الجغرافيا والتاريخ والثقافة. المصالح التي يمكن أن تجمع ما بين الجزائر والمغرب نظرياً، تفوق ما جنته أطراف المشروع الأوروبي المشترك من اتحادها. لمتابع أن يتخيل أنه في عام 2021، العلاقات بين بلدين تربطهما 1427 كيلومتراً من الحدود، عدائية. له أن يتصوّر أن تحالفات أصبحت تربط بلداناً عربية مع إسرائيل، بينما لا علاقات تجمعها مع دول عربية أخرى. له أن يقدّر فداحة أن للمغرب مناطق يعتبرها محتلة، مثل سبتة ومليلية، ومع ذلك فإن العلاقات بين الرباط ومدريد ممتازة. أما أن تتخلى الجزائر عن خط أنابيب لإمداد إسبانيا بالغاز، فقط كي لا يعبر في المغرب، وتضطر إلى دفع عمولة عن هذا المرور للمملكة، فإنما ذلك يختصر مستوى الفضيحة. وأخيراً، للقارئ أن يصدمه المهدي مبروك بحقيقة أن الأمين العام لاتحاد المغرب العربي، التونسي الطيب البكوش، لم يحظَ منذ تقلّد منصبه سنة 2016 بمقابلة ملك المغرب محمد السادس. إذا كانت العلاقات بين أهم بلدين في منطقة غرب شمالي أفريقيا على هذه الشاكلة، فما المتوقع من اتحاد مفترض بينهما؟
وللفضيحة درجات. هناك الصحراء، وهي القصة المزمنة بطرفَيها، المغرب وتشبثه بحصرية حل تقرير المصير وفق تفسيره هو، والجزائر في احتضانها حركة البوليساريو ورغبتها برؤية العيون عاصمة "الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية". وهناك دعم مغربي لانفصال منطقة القبائل في الجزائر، وقد وردت أخيراً على لسان المندوب المغربي الدائم بالأمم المتحدة عمر هلال. وهناك اتهامات عجيبة من الجزائر للمغرب من نوع التورط بإشعال حرائق الجزائر الأخيرة. كل هذه الملفات ــ العقد معروفة، لكن أخطر ما يلف المرحلة الحالية من الأزمة الجزائرية ــ المغربية، هو اتساع مدى تعصّب مواقف شعبية في البلدين، كل إلى جانب موقف حكومته، وتضاؤل المساحة التي تشغلها نخب جزائرية ومغربية ترفض مسوغات الخلاف التاريخي، ولا تنحاز إلى أدبيات عاصمتيها، وتتعاطى معه على أنه نموذج للعبث السياسي الذي لا يأتي إلا بالخسارة المتبادلة.
بين الفئتين، تظهر "نخبة" من نوع ثالث توغل في الكشف عن ضآلة أحوال العرب. نخبة لا شيء تقوله إلا أن أصل المشكلة الجزائرية ــ المغربية هو الاستعمار. والاستعمار في هذه الأحوال "جسمه لبّيس"، مثلما يقول أهل بلاد الشام، خلّف مصائب من أشكال وألوان في البلدين. لكن حبذا لو نتوقف عن استحضار ذلك الاستعمار في كل مرة نعجز فيها عن مواجهة تخلفنا وعصبياتنا وتفضيلنا العيش في الماضي بدل البحث عن المصالح المشتركة.