أجواء حرب في شرق سورية
الجسر العسكري العائم الذي تعمل عليه روسيا حالياً، ويصل بين حويجة صكر ومرات على الضفة الشرقية للفرات في ريف دير الزور، قد ينسف استقرار المنطقة. صحيحٌ أن التمدّد الروسي في تلك المنطقة يأتي على حساب مناطق نفوذ إيران التي تسيطر على عدة قرى عبر جيب صغير في مناطق النفوذ الأميركي عبر فصيل أسود الشرقية التابع لنواف البشير العامل لصالح مليشيات إيران، والتحرّك الروسي يُحدِث تماسّا آخر مع قوات التحالف الدولي، في وقت تتصاعد فيه لغة العداء بين واشنطن وموسكو.
التحرّكات الأميركية أخيراً عبر التحالف الدولي في شرقي الفرات وفي قاعدة التنف، إن كانت عبر مناورات مشتركة جرت مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) أو تدريبات بالأسلحة الحية جرت مع جيش سوريا الحرّة في محيط منطقة الـ55 والتنف، أو عبر تعزيزات أميركية وأسلحة ثقيلة قدّمتها واشنطن لقوات قسد ومنها منظومة صواريخ "هيمارس" أو عربات "برادلي" القتالية، أو من خلال نقل وزارة الدفاع الأميركية وزجّها سربي طائرات "A- 10" و"رابتور F - 22" إلى القواعد الأميركية في الشرق الأوسط، أو عبر نقل الغواصة النووية الأميركية "يو إس إس فرجينيا" كإحدى أحدث أربع غواصات في العالم إلى منطقة الخليج العربي، وعلى متنها 154 صاروخ توماهوك، كلها تعزيزات توحي بأجواء حرب أميركية مقبلة، خصوصا إذا ما ترافقت تلك التعزيزات مع حركة عسكرية أميركية دؤوبة للتوفيق بين حلفائها في قاعدة التنف ومناطق شرق الفرات كانت باكورة تلك الحركة إيجاد توافق عسكري بين جيش سوريا الحرّة وقوات الصناديد التابعة لعشيرة شمّر، ونفي جيش سوريا الحرّة أي استعدادات حرب بعد مناوراته أخيرا قد يأتي في إطار إجراءات التمويه العسكري. أما نفي "قسد" تلك الحرب فيأتي من ضمن أدبيات القتال لقواتها التي ترفض دائماً القتال ضد مليشيات إيران أو نظام الأسد. لذلك اتجهت الولايات المتحدة، أخيرا، إلى نسج علاقات مع العشائر العربية، وتشكيل جيش جديد من شبابها أو ما بات يٌعرف بـ"الحزام العشائري".
اتجهت الولايات المتحدة، أخيرا، إلى نسج علاقات مع العشائر العربية، وتشكيل جيش جديد من شبابها أو ما بات يٌعرف بـ"الحزام العشائري"
دفعت التعزيزات الأميركية إيران، ووفق مصادر ميدانية في الشرق السوري، لتعزيز قواتها في كامل مناطق دير الزور والميادين والبوكمال، عبر مليشيات جديدة استقدمتها من العراق، وبدعم من الجانب الروسي الذي دأب خلال الأشهر الأخيرة على إيجاد ساحة اشتباك واستنزاف للولايات المتحدة في شرق سورية عبر أدوات إيرانية نوعا من الانتقام لما يحصل على جبهات أوكرانيا، وبرز هذا الأمر عبر تطوير مشترك "روسي - إيراني" لعبوات ناسفة مضادّة للدروع، تم التدريب عليها وتسليمها لمليشيات إيران في مناطق الميادين والبوكمال، ثم أوقف الجانب الروسي التنسيق الجوي الأميركي الروسي في السماء السورية. أعقب ذلك اختراق الطيران الروسي ومرّات عديدة أجواء منطقة الـ55 المحمية أميركياً، ولتتوّج التحرّشات الروسية خلال الأسبوعين الأخيرين بشبه اصطدام جوي ولثلاث مرّات بين الطائرات الحربية الروسية والمسيّرات الأميركية في سماء سورية.
كان مسار نهر الفرات في الأراضي السورية يمثّل الحد الفاصل بين مناطق النفوذ لكل من أميركا وروسيا باستثناء جيوب صغيرة، لكن هناك رغبة روسية بتكرار ما حصل في عام 2018 في محيط دير الزور عبر مغامرة قامت بها شركة مرتزقة فاغنر التي دفعت ثمنها أرواح مئات من عناصرها، بعد إبادة الطائرات الأميركية وحوّامات الأباتشي قوات فاغنر الروسية التي كانت تتحضّر لمعركة تهدف إلى السيطرة على آبار نفط في شرقي الفرات تخضع للنفوذ الأميركي.
قالت مصادر إن التحرّكات الأميركية ليست تحرّكات حرب، بل تحرّكات غايتها إيجاد ضغوط عسكرية على إيران يٌقبض ثمنها سياسياً عبر اتفاق مؤقت "أميركي - إيراني" يجري العمل عليه عبر وساطات، منها عُمانية، ومنها أوروبية، ينتهي بتعهّد إيران بوقف تخصيب اليورانيوم على مستوى 60%، مع إفراج إيران عن رهائن أميركيين وغربيين في سجونها يحتاجهم الرئيس بايدن قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة، وتقبض إيران ثمن هذا الاتفاق عشرات مليارات الدولارات من أموالها المحتجزة، خصوصا في كوريا الجنوبية، إضافة إلى تخفيف بعض العقوبات الأميركية على الخزانة الإيرانية، وعلى الحرس الثوري الإيراني.
حرارة التصعيد العسكري للأطراف الأميركية والروسية والإيرانية قد تفوق حرارة صيف البادية السورية
قد تكون لفرضية الضغط الأميركي مبرراتها، لكن الاستعدادات العسكرية الأميركية، وتعزيزات الأسلحة المنقولة إلى مناطق شرقي الفرات وقاعدة التنف وأسراب الطائرات التي تم زجّها في القواعد الأميركية في منطقة الشرق الأوسط، مع طبيعة المناورات والتدريبات بالأسلحة الحية، وعبر منظوماتٍ صاروخية "هيمارس" التي جرت في شرق سورية، هي أكبر من أهداف أميركا بمحاربة الإرهاب "الداعشي"، وتٌقرأ بمنظور الخبرات العسكرية على أنها مؤشرات حرب، وليس بضغط سياسي فقط، خصوصا مع تسريبات عن خطط أميركية إسرائيلية لتقليص الوجود الإيراني في سورية وإبعادها عن حدود الجولان السوري والحدود الأردنية لضبط تهريب المخدرات، قد تترافق تلك الخطط مع عمل عسكري آخر وبأدوات عشائرية سورية عبر ما يسمّى "الحزام العشائري" لإغلاق الكوريدور الإيراني، الممتد ما بين التنف والبوكمال على الحدود العراقية - السورية.
حرارة التصعيد العسكري للأطراف الأميركية والروسية والإيرانية قد تفوق حرارة صيف البادية السورية، فهل ينفجر الشرق السوري في وقتٍ يُنكر فيه الجميع استعداده للحرب، بينما تؤكّده تحرّكاته وتعزيزاته وبقوة؟