04 نوفمبر 2024
أبناء مبارك في السلطة والمعارضة
تفحّص جيدًا وجوه جنازة حسني مبارك، لتزداد فخرًا بانتمائك لثورة يناير.
لا تبتئس من إمعانهم في تضخيم مظاهر البهرجة في موكب التشييع، بل هذا مما يبعث على الرضا واليقين بأن ثورة يناير لا تزال حاضرةً في أذهان أهل السلطة بالقاهرة، ربما أكثر من حضورها في رأس زعماء وهميين لجزر المعارضة في الخارج.
كانت دولة مبارك حاضرة بشقيها: رموز ما قبل ثورة يناير من الحرس القديم للحزب الوطني الحاكم، ومعهم أمانة السياسات، برئيسها جمال مبارك. والشق الثاني الذي هو الامتداد الطبيعي لهذه المنظومة، من وجوه جديدة، وأخرى نجحت في اللعب على مزدوجين في حلبة جمباز واحدة.
في مقدّمة المشيعين كان السيسي وجمال وعلاء مبارك وفتحي سرور وزكريا عزمي وأحمد عز ومحمد أبو العينين، كلهم رجال مبارك وأبناؤه الأوفياء، هم رجال موقعة الجمل التي أدمت قلب الثورة المصرية، وربما كانت الخيول التي سارت في الجنازة تحمل الطبّالين والعازفين هي ذاتها الخيول التي حملت البلطجية والقتلة وأرباب السوابق الذين هاجموا ميدان التحرير بكل الخسّة والوضاعة.
أنت هنا بصدد جنازة قرّر نظام مبارك/ السيسي أن تكون مبهرةً وصاخبة، حشدوا لها إعلاميًا وسياسيًا، وتدخلت أطرافٌ دولية وإقليمية، ترعى وتستثمر في السيسي كما رعت واستثمرت في مبارك، لكي تكون الجنازة حافلةً بكل مظاهر الفخامة. وعلى الرغم من ذلك، لم يخرج لها أكثر من عشرين مواطنًا عاديًا، حتى من الذين كان السيسي يشحنهم ويوفر لهم الوجبات الساخنة وأعلام مصر المغسولة والمكوية، كي يقفوا للهتاف باسم مبارك والجيش وشتيمة الثورة في ميدان العباسية أو عند النصب التذكاري في عام الثورة، والعام الذي جاء بعده.
رأينا فقط وجه محمد أبو العينين، قط الفساد السمين في زمن مبارك، والذي ازداد تسمينًا وتشريسًا في زمن السيسي، والذي يقول التاريخ الموثق عنه إنه كان أحد أربعة رجال أعمال حصلوا في عصر مبارك على أكثر من خمسين مليون متر مربع في منطقة شمال غرب خليج السويس بالقانون 83 لسنة 2002، والصادر في عهد وزارة عاطف عبيد.
في ذلك كانت جريدة البديل قد نشرت في 25 فبراير/ شباط 2011 تحقيقًا حول استيلاء عشرة أشخاص من نظام مبارك علي أرض من الدولة بقيمة تريليون و200 مليون جنيه، ومنهم محمد أبو العينين الذي حقق مكاسب تزيد على 100 مليار جنيه من المتاجرة في أراضي الدولة.
كان حسني مبارك، مثل السيسي، يبيع أوهام النهضة الزراعية الشاملة، من توشكي إلى شرق العوينات، من دون أن يتحقّق شيءٌ من ذلك كله سوى تسمين خيول فساد المرحلة. وأتذكّر أنه، ذات يوم من أيام ثورة يناير، روى لي خبير دولي مرموق في الاستثمار الزراعي أن حسني مبارك دعي لتفقد إنتاج المستثمرين الزراعيين في شرق العوينات الذي لم ينتج شيئا، فاستورد أحد رجال الأعمال، من مشاهير البلاط، الأرضي والفضائي، كمياتٍ من الحاصلات الزراعية التي تسرّ الناظرين من أوروبا، ففرح حسني مبارك، ووقف يلتقط الصور مزهوا بحصاد ثورته الزراعية الزائفة.
كان في الجنازة أيضًا أحمد عز، الطفل المعجزة في أخطر مرحلةٍ في زمن حسني مبارك، ومهندس مشروع توريث السلطة لجمال مبارك، والذي هو في رأيي، وكما قلت من قبل، لا فرق بينه وبين السيسي إلا في الدرجة، فكلاهما من بقايا دولة مبارك وحزبه، بل أن علاقة الجنرال بالدولة العميقة تبدو أعمق وأكثر تجذّرا من أحمد عز، فالثابت أن السيسي هو ابن الدولة العسكرية التي مثلها مبارك في حكم مصر أكثر من ثلاثين عاما، بينما أحمد عز هو ابن دولة مبارك في طورها" العولمي"، حين فرض عليها النظام العالمي الجديد الذهاب إلى اقتصاد السوق والخصخصة، وهو الأمر الذي دفع "الجزء المعسكر" فيها إلى الاتجاه إلى البزنس والمنافسة في السوق.
تلك هي دولتهم، لا تتغير ولا تسمح لخلافاتٍ ثانويةٍ داخلها أن تتطوّر إلى مرحلة صراع قد يؤثر على بقائها، هذا الصراع الذي لا وجود له إلا في خيال هذا الصنف من المهرجين والتجار الصغار، فيما يمكن تسميتها "المعارضة العميقة" التي تلعب أدوارًا ثانوية في تلك الدراما الرتيبة، مثل ذلك الزعيم المضحك المعروض طوال الوقت في فاترينات إعلام يقدم الرعاية الشاملة لأكاذيبه التافهة، والذي لعب مع مبارك الدور ذاته الذي لعبه الممثلون الصغار، من نوعية موسى مصطفى موسى وحجمه أمام عبد الفتاح السيسي في عرض انتخابي مبتذل، ويصرّ على ترويج تلك الفرضية اللعوب عن وجود تناقضاتٍ بين نظامي السيسي ومبارك.
مات مبارك، وترك أبناء كثيرين في السلطة والمعارضة.
كانت دولة مبارك حاضرة بشقيها: رموز ما قبل ثورة يناير من الحرس القديم للحزب الوطني الحاكم، ومعهم أمانة السياسات، برئيسها جمال مبارك. والشق الثاني الذي هو الامتداد الطبيعي لهذه المنظومة، من وجوه جديدة، وأخرى نجحت في اللعب على مزدوجين في حلبة جمباز واحدة.
في مقدّمة المشيعين كان السيسي وجمال وعلاء مبارك وفتحي سرور وزكريا عزمي وأحمد عز ومحمد أبو العينين، كلهم رجال مبارك وأبناؤه الأوفياء، هم رجال موقعة الجمل التي أدمت قلب الثورة المصرية، وربما كانت الخيول التي سارت في الجنازة تحمل الطبّالين والعازفين هي ذاتها الخيول التي حملت البلطجية والقتلة وأرباب السوابق الذين هاجموا ميدان التحرير بكل الخسّة والوضاعة.
أنت هنا بصدد جنازة قرّر نظام مبارك/ السيسي أن تكون مبهرةً وصاخبة، حشدوا لها إعلاميًا وسياسيًا، وتدخلت أطرافٌ دولية وإقليمية، ترعى وتستثمر في السيسي كما رعت واستثمرت في مبارك، لكي تكون الجنازة حافلةً بكل مظاهر الفخامة. وعلى الرغم من ذلك، لم يخرج لها أكثر من عشرين مواطنًا عاديًا، حتى من الذين كان السيسي يشحنهم ويوفر لهم الوجبات الساخنة وأعلام مصر المغسولة والمكوية، كي يقفوا للهتاف باسم مبارك والجيش وشتيمة الثورة في ميدان العباسية أو عند النصب التذكاري في عام الثورة، والعام الذي جاء بعده.
رأينا فقط وجه محمد أبو العينين، قط الفساد السمين في زمن مبارك، والذي ازداد تسمينًا وتشريسًا في زمن السيسي، والذي يقول التاريخ الموثق عنه إنه كان أحد أربعة رجال أعمال حصلوا في عصر مبارك على أكثر من خمسين مليون متر مربع في منطقة شمال غرب خليج السويس بالقانون 83 لسنة 2002، والصادر في عهد وزارة عاطف عبيد.
في ذلك كانت جريدة البديل قد نشرت في 25 فبراير/ شباط 2011 تحقيقًا حول استيلاء عشرة أشخاص من نظام مبارك علي أرض من الدولة بقيمة تريليون و200 مليون جنيه، ومنهم محمد أبو العينين الذي حقق مكاسب تزيد على 100 مليار جنيه من المتاجرة في أراضي الدولة.
كان حسني مبارك، مثل السيسي، يبيع أوهام النهضة الزراعية الشاملة، من توشكي إلى شرق العوينات، من دون أن يتحقّق شيءٌ من ذلك كله سوى تسمين خيول فساد المرحلة. وأتذكّر أنه، ذات يوم من أيام ثورة يناير، روى لي خبير دولي مرموق في الاستثمار الزراعي أن حسني مبارك دعي لتفقد إنتاج المستثمرين الزراعيين في شرق العوينات الذي لم ينتج شيئا، فاستورد أحد رجال الأعمال، من مشاهير البلاط، الأرضي والفضائي، كمياتٍ من الحاصلات الزراعية التي تسرّ الناظرين من أوروبا، ففرح حسني مبارك، ووقف يلتقط الصور مزهوا بحصاد ثورته الزراعية الزائفة.
كان في الجنازة أيضًا أحمد عز، الطفل المعجزة في أخطر مرحلةٍ في زمن حسني مبارك، ومهندس مشروع توريث السلطة لجمال مبارك، والذي هو في رأيي، وكما قلت من قبل، لا فرق بينه وبين السيسي إلا في الدرجة، فكلاهما من بقايا دولة مبارك وحزبه، بل أن علاقة الجنرال بالدولة العميقة تبدو أعمق وأكثر تجذّرا من أحمد عز، فالثابت أن السيسي هو ابن الدولة العسكرية التي مثلها مبارك في حكم مصر أكثر من ثلاثين عاما، بينما أحمد عز هو ابن دولة مبارك في طورها" العولمي"، حين فرض عليها النظام العالمي الجديد الذهاب إلى اقتصاد السوق والخصخصة، وهو الأمر الذي دفع "الجزء المعسكر" فيها إلى الاتجاه إلى البزنس والمنافسة في السوق.
تلك هي دولتهم، لا تتغير ولا تسمح لخلافاتٍ ثانويةٍ داخلها أن تتطوّر إلى مرحلة صراع قد يؤثر على بقائها، هذا الصراع الذي لا وجود له إلا في خيال هذا الصنف من المهرجين والتجار الصغار، فيما يمكن تسميتها "المعارضة العميقة" التي تلعب أدوارًا ثانوية في تلك الدراما الرتيبة، مثل ذلك الزعيم المضحك المعروض طوال الوقت في فاترينات إعلام يقدم الرعاية الشاملة لأكاذيبه التافهة، والذي لعب مع مبارك الدور ذاته الذي لعبه الممثلون الصغار، من نوعية موسى مصطفى موسى وحجمه أمام عبد الفتاح السيسي في عرض انتخابي مبتذل، ويصرّ على ترويج تلك الفرضية اللعوب عن وجود تناقضاتٍ بين نظامي السيسي ومبارك.
مات مبارك، وترك أبناء كثيرين في السلطة والمعارضة.