أوباما وبايدن: حجم مصر بين زيارتين
مع اقتراب موعد زيارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، إلى الكيان الصهيوني في الأسابيع المقبلة، واحتمالية توسيع نطاق رحلته، لتشمل بعض دول الشرق الأوسط، لم يرد ذكر مصر حتى هذه اللحظة، في أخبار أو تسريبات أو حتى شائعات لا أصل لها.
كل الجدل المثار الآن يتعلق بالسعودية ووولي عهدها محمد بن سلمان، بين تلميحات أميركية بإمكانية عقد لقاء لرجل البيت الأبيض معه، ثم تصريحات أخرى تستبعد هذا الاحتمال، من دون تحديد مكان اللقاء، الذي إن تم فسيكون هامشًا صغيرًا لموضوع أساس عنوانه: زيارة بايدن إلى الكيان الصهيوني.
هذه، إن تمت ستكون الرحلة الأولى لرئيس الولايات المتحدة إلى الشرق الأوسط، بعد أكثر من عام ونصف العام على توليه حكم أميركا، وهي فترة طويلة جدًا من التفكير والتجهيز للزيارة، قياسًا إلى حكّام البيت الأبيض السابقين، الذين كانوا في الغالب يدشّنون نشاطهم الخارجي بزيارة الدول المفصلية في الشرق الأوسط، إلى جانب إسرائيل بالطبع.
مع كل الرؤساء السابقين عدا دونالد ترامب، وبعده بايدن، كان الأميركيون يدخلون إلى الشرق الأوسط من البوابة المصرية، إذ كانت القاهرة أول ما يحرص على زيارتها أي رئيس جديد للولايات المتحدة لتدشين علاقته بالمنطقة، غير أن هذا التقليد توقف، منذ غادر باراك أوباما الحكم.
حين وصل ترامب إلى البيت الأبيض، قلت إن التاريخ ربما سيذكر أن هذا هو الرئيس الأميركي الوحيد الذي لم يهتم بزيارة القاهرة، طوال فترة حكمه، على غير عادة رؤساء الولايات المتحدة السابقين، الذين كانوا يدخلون إلى الشرق الأوسط من البوابة المصرية.
جاء ترامب إلى الشرق الأوسط عبر البوابة السعودية، المفتوحة على العمق الصهيوني، حيث استقل طائرته من الرياض إلى القدس المحتلة مباشرة، ليهبط والعائلة مرتديًا الطاقية اليهودية، عند حائط البراق (المبكى كما يسمّيه الصهيوني) ليؤدوا طقوسًا يهودية.. أما عن القاهرة فقد اكتفى بإرسال زوجته ميلانيا للسياحة والاستعراض.
كل رؤساء الولايات المتحدة زاروا مصر في بداية حكمهم، منذ الرئيس روزفلت، مرورًا بنيكسون وكارتر وريغان وبوش الأب وكلينتون وبوش الابن وأخيرًا أوباما، وهي الزيارة التي تستحق التوقف عندها، كونها جاءت في نهايات عصر حسني مبارك، أو سنوات الريبة في صحّة مصر ونجاعتها وقدرتها على الاحتفاظ بالدور التاريخي، المحوري، لها في سياسات منطقة الشرق الأوسط.
كان ذلك في شهر مايو/ أيار من العام 2009 وكانت شكوك تحيط بمحطة أوباما الأولى، هل هي القاهرة العجوز المترهلة ذات الإرث الحضاري والسياسي والتاريخي الهائل الذي منحها صفة الدولة الرائدة في المنطقة؟ أم تكون الرياض المشحونة بأحلام انتزاع الريادة وأوهامه، وخصوصًا بعدما أطلقت ما تسمى المبادرة العربية التي صاغها أميركيون ووضعوا عليها اسم الأمير عبد الله بن عبد العزيز وطرحت للتداول، في قمة بيروت، مشروعا جديدا لإنهاء الصراع في الشرق الأوسط؟
كانت الرياض تحلم والقاهرة تترقّب في قلق، وفي نهاية الأمر، اختار باراك أوباما جامعة القاهرة ليخاطب من خلالها العالم الإسلامي، عارضًا رؤية أميركية جديدة لحوار الحضارات والثقافات. وأتذكّر، في ذلك الوقت، أن عديدين من أبواق نظام حسني مبارك كانت تبالغ في الثرثرة أن اختيار الرئيس الأميركي الجديد القاهرة يعد بمثابة التفات أميركي لأهمية الدور المصري، في ظل إحساس عام بالتقزّم والتضاؤل كان يعتري الدوائر الرسمية المصرية، التي وجدت في الزيارة شهادة جودة واعتبار لها. وكتبت، في ذلك الوقت من العام 2009، تعليقًا على هيستيريا الفرح الطفولي بزيارة أوباما، أن بعض الصبية ــ وبتسرّع ساذج ــ اعتبروا أن الترجمة الحرفية لاختيار القاهرة أن الآخرين أصغر وأقل منها، بل إن أحدهم لم يخجل وهو يقول إن عواصم أخرى أصيبت بالخضّة بعد الإعلان عن زيارة أوباما.
كان السؤال وقتها، قبل 13 عامًا: هل كانت مصر صغيرة وضئيلة وهزيلة قبل أن يقرّر أوباما زيارتها.. ثم تعملقت وتضخّمت فجأة مع قرار الزيارة؟ وهل تليق مهرجانات الرقص والهتاف التى اندلعت على صفحات جرائد الحكومة مع إعلان زيارة أوباما بحجم مصر وثقلها التاريخي، بصرف النظر عمّن يجلس على سدّة الحكم فيها؟
أما الآن، ومع الجنرال عبد الفتاح السيسي، دكتاتور ترامب المفضل، أو نموذج القاتل اللعين الذي يحبه في السلطة، فما عاد الجدل يشتعل، وما عادت الأسئلة تُطرح، إذ يبدو أن أحدًا لم يعد يتذكّر مصر، أو يذكرها في معادلات الشرق الأوسط، بعد أن سقطت في يد سلطةٍ يتلاعب بها الصغار والكبار في الشرق الأوسط، حتى باتت تتسوّل كل شيء، من حزم المساعدات والمنح المالية، إلى شهادات الضمان الصهيونية لدى الهيئات والمؤسسات الدولية.
سلطة حولت بلدًا كبيرًا رائدًا إلى تابع صغير يؤمر بالتخلي عن جزر استراتيجية، لتكون عربونًا لتطبيع سعودي صهيوني تكتمل ملامحه الآن فيُطيع، ويقبض ثمنًا بخسًا.. ثم يطلب منه تسليم مفاتيح النهر إلى إثيوبيا، لتصبح المالك والبائع الحصري لمياه النيل، فيفعل صاغرًا، ثم ينتظر دوره في طوابير شراء المياه من الحبشة، مثل أي زبون.. وهذا موضوع آخر يحتاج إلى تفصيل أكبر وأوسع.