"لا تندهوا، ما فيه حدا"

12 مارس 2021
+ الخط -

ها هو بشار الأسد يعالج اليوم مجاعة الموالين له بالأسلوب الذي تصدّت مخابراتُه به لمن طالبوه بالحرية عام 2011 من معارضي نظامه، وشمل أنماطا متنوعةً من التخويف والاعتقال والتعذيب، ناهيك عن القتل داخل معتقلاته وسجونه وخارجها. يلجأ النظام الأسدي إلى العنف في أيامنا لمعالجة مشكلة تحل بتوفير الطعام للجياع، ولا تحل بالعصا الكهربائية والدولاب والشبح، على يد أجهزة سرية تعد نفقاتها ومخصصاتها، التي تبلغ نيّفا وربع الدخل الوطني السوري، أحد الأسباب الرئيسة لإفقارهم وتجويعهم، سواء بمدّ أيديها إلى جيوبهم وأرزاقهم، أم بدورها في حماية نظامٍ أدمن على نهب البلاد والعباد، ورئيسٍ أحاط نفسه بعصابات لصوص وسرّاق، صاروا بالمئات والآلاف مليونيرية ومليارديرية خلال الحرب التي قتلت السوريين جوعا، حتى أخذ الآباء يبيعون أطفالهم، والشباب ينتحرون، بعد أن يئسوا من الاستغاثة بالرئيس ومناشدته أن يردّ عنهم غائلة جوعٍ أخذوا يكتشفون، بعد أن زالت غشاوة التضليل عن أعينهم، أنه المنتفع الأكبر منه، بصفته رئيس أخوية لصوص تحيط به وتحتضنها زوجته، يلعب فسادُها غير المسبوق الدور الرئيس في تجويع وتركيع من يستغيثون بـ"سيادته" ويناشدونه أن يرأف بحالهم، ويتذكّر أنهم هم من نصره ومات دفاعا عنه، فلا أقلّ من أن يردّ الجوع القاتل عنهم. .. وتتجاهل استغاثات السوريين أمرين:

أولهما، أن الأسد لا يدين لشعب سورية بشيء، وأنه بقي رئيسا بفضل أغراب وأجانب استدعاهم لإنقاذه واحتلال سورية. أما الموالون الذين هلك خلق كثير منهم دفاعا عنه، فلم يعد أمرُهم يعنيه بعد "النصر"، ولو ملأوا الكون "نقّا" لما اهتم بهم، لأنه يفضل ألف مرّة أن يموتوا على أن يحرم المخابرات والجيش من المال الذي سيكرّسه لإطعامهم، ويرفض مدّ يده إلى الثروة التي يمتلكها، وتلك التي ورثها عن أبيه. وإذا كان قد أطعمهم "حبة بطاطا" في اليوم إبّان الحرب، فإن هذه صارت من الماضي، وذهب معها نصيبهم من الطعام، بعد أن أخذوا يخاطبونه باللغة التي استخدمتها الثورة من قبل، وردّ عليهم بالمخابرات، ومن قاتل معها من شبّيحة ومليشيات وإيرانيين وروس، ولن يتردّد في الرد عليهم بالطريقة ذاتها، لمجرّد أنهم جياع.

وثانيهما: أن المخابرات ليست مؤسسة خيرية، بل هي أجهزة قمع وقتل وإزهاق أرواح، ورئيسها ليس رجل برّ وإحسان، فيمدّ يده إلى جيبه، لينفق من حرّ ماله على جياعٍ يستطيع سحقَهم تحت أحذية مخابراته، ويزعم بعضهم أن استجابته لمطلب الإصلاح الذي لطالما وعد بإنجازه، كانت ستصون سورية من الاحتلالات الخمسة التي استقدمها لحمايته، ومن تدميرها بسلاح جيشه ومخابراته، وحرس إيران الثوري ومرتزقته، وطيران بوتين في الجو وجماعة فاغنر في البر، فضلا عن تهجير نصف شعبها، وقتل مئات آلافٍ منه في أقبية التعذيب. يدّعي هؤلاء إنه ما كان أحدٌ ليجوع، لو أنه أصلح نظامه وأحوال الذين توهموا أن دفاعهم عنه هو دفاع عن أنفسهم، وها هو يتركهم للموت بسلاحي الجوع وكورونا، ويقبل ما يرفضُه كل شريفٍ يدّعي تعرّضه لمؤامرة إمبريالية/ صهيونية، وهو شراء إسرائيل عددا مهينا من اللقاحات لتحصينه ضد الفيروس و"مؤامرتها"، ولحماية قادة مخابراته وشبّيحته الذين لم يقلعوا يوما عن قتل السوريين بتهمة العمالة للعدو الصهيوني، وأبادوا مئات الآلاف منهم في الأعوام العشرة المنصرمة، بتهمة التآمر معه!

أيها الذين تستجيرون ببشار الأسد: لا تندهوا، ما فيه حدا. إنه لا يردّ عليكم، بالمناسبة، لأنه ربما كان يستحي أن يخبركم أنه لا يتناول، هو نفسه، صحن فول، من دون موافقة الروس و/ أو الإيرانيين. وهو "مطنشكم"، لأن كرسيه الذي يحميه الغزاة وقتلة المخابرات، منكم، يكفيه، ولم يعد بحاجةٍ إليكم.

E4AA2ECF-ADA6-4461-AF81-5FD68ED274E9
ميشيل كيلو

كاتب سوري، مواليد 1940، ترأس مركز حريات للدفاع عن حرية الرأي والتعبير في سورية، تعرض للاعتقال مرات، ترجم كتباً في الفكر السياسي، عضو بارز في الائتلاف الوطني السوري المعارض.