"استعادة الثقة" أم هروب إلى الأمام؟

07 يوليو 2021
+ الخط -

لم يبقَ سوى مائة يوم على الانتخابات البرلمانية في العراق الغارق في أزمات حادّة تراكمت واستوطنت حد اليأس من إمكانية حلها: أزمة أمن، (استمرار المليشيات في اختطاف واغتيال ناشطي الحراك الشعبي والقتل على الهوية وتفشي ظاهرة الإفلات من العقاب)، أزمة كهرباء، (نحو ثمانين مليار دولار صرفت على وزارة الكهرباء التي تعاقب عليها عشرة وزراء، وكانت الحصيلة صفرا على الشمال، وقيل إن واشنطن وطهران، كل من ناحيتها، لعبتا دورا مشبوها في إبقاء العراق بلا كهرباء)، أزمة ماء، (ملف الماء هو الآخر بيد الجيران، وملايين العراقيين لا يصل إليهم ماء صالح للشرب، وقد ضرب الجفاف مساحاتٍ شاسعة من الأرض الصالحة للزراعة)، أزمة بطالة (عدد العاطلين من العمل أكثر من أربعة ملايين)، أزمة نزاهة، (وضعت منظمة الشفافية العالمية العراق في ذيل مؤشّر الفساد للعام الفائت وأعطته الرقم 160)، أزمة نازحين ومهجّرين، (أكثر من مليون نازح ومهجّر، وعشرات مخيمات الإيواء التي تنتشر في أنحاء البلاد، ودعك من الحال المزرية الماثلة هناك)، أزمة تصاعد سلطة العشائر، (تحول العشيرة إلى مؤسّسة بديلةٍ للمؤسسات المدنية، وتشكيلها تنظيما مسلحا تستخدمه زعاماتٌ سياسية لأغراضها الخاصة)، أزمة انتشار السلاح وعدم قدرة السلطة على حصره بيد الدولة، (أدّى ذلك إلى نشوء مافيات الجريمة المنظمة، وتوغلها داخل النسيج الاجتماعي)، أزمة كورونا (تخطت الإصابات أرقاما مرعبة، والنظام الصحي قاصر عن مواجهة الحالة)... وقبل ذلك كله وبعده أزمة ثقة بين الحاكم والمحكوم استوطنت 18 عاما.

الحق أن رئيس الوزراء، مصطفى الكاظمي، حاول أن يفعل شيئا في مواجهة تلك الأزمات، أراد أن يسجّل مأثرة له قبل أن تنتهي ولايته، ولو في إحداث اختراق صغير، لكنه أخفق في مسعاه، ولم يستطع أن يُمسك بالقرار في أكثر من قضية، فيما تغلغلت المليشيات في مفاصل الدولة، الأمنية منها على الأخص، وأوجدت دولة موازيةً لها سطوتها ونفوذها واستقلاليتها و"حشدها" القابض على أسلحة ثقيلة وصواريخ وطائرات مسيّرة، وارتباطاتها المكشوفة بالحرس الثوري الإيراني. هو يعرف، قبل غيره، أن انتخابات أكتوبر المقبلة ستعيد تموضع خصومه، وسوف تعطيهم الأرجحية في استمرار قبضتهم على السلطة، وإعادة انتاج "العملية السياسية" وترويجها. ولأنه لا يريد أن يرجع من المولد بدون حمّص، فكر في الاستثمار في حقل علاقات بلاده مع الخارج، عل ذلك يدفع العالم إلى إعادة الثقة في بلاده، ومن ثم يسجّل ذلك "النصر" له، وقد ينجح في تأبيد ولايته إلى ما شاء الله، من يدري!

تغلغلت المليشيات في مفاصل الدولة، الأمنية، وأوجدت دولة موازيةً لها سطوتها ونفوذها واستقلاليتها

صحيحٌ أن طموحه، كما يقول خصومه، أصبح ملحوظا، فهو منذ حَمَلته مصادفةٌ مجنونة إلى كرسي رئاسة الوزراء، قرأ فرصته على أنها لا تتكرّر، وعليه ألا ينتظر طويلا، وتذكّر وصية تلقاها عندما كان يعمل في جهاز المخابرات: "استخدم ما هو تحت يديك، ولا تنتظر حتى تكتمل كل أوراقك، فقد تفقد في النهاية فرصتك". وها هو يعمل بجدّية ودأب، كي يظل في المقدمة، حاله حال أي من رجال النخبة السياسية (نقول نخبة تجاوزا على المعنى) الذين وضعتهم أيضا مصادفةٌ مجنونةٌ في قمة السلطة، وهكذا قفز إلى ما وراء الحدود في لعبةٍ ماكرةٍ ترضي واشنطن، وربما جاءت بوحيٍ منها، وقد يرى بعضهم فيها خطوة غير مباشرة نحو التطبيع مع إسرائيل. وعلى أي حال، فقد الرهان على الخارج، عربا أو عجما أو آخرين، فاعليته، ولم يعد مجديا. وهو ليس أكثر من "شو"، أو هو، في أحسن الأجوال، محاولة للهروب الى الأمام، فيما الرهان الحقيقي ينبغي أن يكون على الداخل الغارق في الأزمات، وعلى مواطنيه الباحثين عن رغيف الخبز وحبة الدواء والأمان، ومعذرة من أشقائنا العرب الذين لن يكون لنا كمال واكتمال إلا بهم ومعهم!

واستطرادا مع هذه الحال، ثمّة أسئلة قد تخطر في البال: هل ستعيد استراتيجية الكاظمي الوطن المسلوب والمنهوب إلى أهله؟ وهل سيطمئن ثوار تشرين إلى أنهم سيحصلون على حقوقهم بوصفهم بشرا؟ وهل ستدور الدوائر على الذين أذاقوا مواطنيهم كؤوس المرّ، ثم.. هل سنرى، في قابل الأيام، وطنا مستقلا ومواطنا حرّا؟... هنا "التشاؤل" سيد الموقف.

583FA63D-7FE6-4F72-ACDD-59AE85C682EB
عبد اللطيف السعدون

كاتب عراقي، ماجستير علاقات دولية من جامعة كالجري – كندا، شغل وظائف إعلامية ودبلوماسية. رأس تحرير مجلة "المثقف العربي" وعمل مدرسا في كلية الاعلام، وشارك في مؤتمرات عربية ودولية. صدر من ترجمته كتاب "مذكرات أمريكيتين في مضارب شمر"