فرنسا: "ميديا بارت" يكشف تستراً حكومياً في قضية "أوراق رافال"

09 ابريل 2021
تلتزم السلطات الفرنسية الصمت بخصوص القضية (Getty)
+ الخط -

يواصل موقع "ميديا بارت" الفرنسي الكشف عن وثائق جديدة فيما يعرف بـ"أوراق رافال"، وهي قضية فساد متعلقة ببيع مقاتلات "رافال" الفرنسية إلى الهند، بعد 4 سنوات من أول تحقيق أجراه الموقع في القضية عام 2018 وتسبب بأزمة كبيرة في الهند أدت إلى طلب حزب "المؤتمر" الهندي المعارض، من الحزب الحاكم آنذاك، إنهاء الصفقة وفتح تحقيق شفاف حولها. وتظهر الوثائق، التي نشرت أمس الخميس، التورط الرسمي الفرنسي في محاولة احتواء القضية.
وكانت الصفقة تنص على شراء الهند 126 طائرة "رافال" فرنسية تصنعها شركة الطائرات المملوكة للدولة في الهند، لكن رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، قام بتغيير العقد لصالح مجموعة يملكها سوشن غوبتا، وهو رجل أعمال مقرب منه تسمى "ريلاينس أنيل أمباني"، حيث قام بتصنيع 36 طائرة فقط، وكلها في فرنسا بتكلفة بلغت 3 أضعاف السعر الذي كان يمكن أن يكلف السلطات الهندية لو تمت صناعتها في الهند.
وبينما تم إغلاق القضية آنذاك في محاولة لإخفاء الحقائق، عاد "ميديا بارت" لينشر ابتداء من يوم الأحد الماضي، وثائق جديدة تكشف خفايا العقد الضخم الذي تبلغ قيمته 7.8 مليارات يورو، الذي تم توقيعه بين غوبتا، والجانب الفرنسي في عهد الرئيس السابق، فرانسوا هولاند، عام 2016.
التحقيق الهندي يخفي وثائق القضية
تشير الوثائق التي نشرها "ميديا بارت"، وهي مستندات سرية من ملف التحقيق الذي تم إخفاؤه في الهند، إلى أن الشركتين الفرنسيتين "داسو" المصنعة لطائرات "رافال"، و"تاليس" التي تعمل في تصميم وبناء الأنظمة الكهربائية وتوفير الخدمات لأسواق الطيران والدفاع والنقل والأمن، دفعتا لغوبتا ملايين اليوروهات كرشاوى مقابل عقود تكنولوجيا معلومات باهظة الثمن، لعمله كوسيط في إطار الحصول على عقد تصنيع طائرات "رافال" لصالح الهند. وفيما تم تسجيل ذلك من قبل الشركتين الفرنسيتين على أنه "هدايا للعملاء" قررت وكالة مكافحة الفساد الفرنسية عدم إبلاغ المحاكم بهذه الصفقة المشبوهة.
ومن أجل الحصول على الصفقة، قال "ميديا بارت" إن الشركتين الفرنسيتين، اختارتا الوسيط غوبتا "بالغ البراعة" في مثل هذا النوع من الصفقات، لدرجة أنه تمكن من الحصول على وثائق سرية من وزارة الدفاع الهندية حول المفاوضات مع الجانب الفرنسي بشأن الصفقة عام 2015.
تلك المعلومات التي حصل عليها "ميديا بارت" كانت جزءاً من التحقيق الذي أجرته السلطات الهندية عندما اعتقلت غوبتا في مارس/آذار 2019 على خلفية قضية فساد مشابهة، تضمنت شراء طائرات هليوكوبتر من الولايات المتحدة بعقد بلغت قيمته 550 مليون يورو، قبل أن تطلق سراحه بعد شهرين بكفالة مالية.


ويقول "ميديا بارت"، إنه "في ضوء هذه العناصر التي اكتشفها المحققون بالهند، فمن السهل فهم سبب خوض عضوين من فريق "رافال" (داسو بالإضافة لشركة "إم بي دي إيه" المملوكة لشركة "إيرباص" والتي تعمل في مجال تصميم الصواريخ وأنظمتها) في مفاوضات مع وزير الخارجية الحالي جان إيف لودريان، الذي كان وزيرا للدفاع في عهد هولاند، من أجل سحب بنود مكافحة الفساد من ملاحق الاتفاقية الموقعة". 
والبنود التي أدرجتها وزارة الدفاع الهندية في العقد، وتفاوض عليها الجانب الفرنسي من أجل سحبها بإصرار من فريق "رافال"، نصت على "أنه يمكن للهند فسخ العقد و/ أو دفع المصنّع تعويضاً، في حال اكتشاف رشاوى أو تزكية من قبل السياسيين الهنود للبائع الفرنسي".
"واحدة من أكبر عمليات الاحتيال"
على الجانب الهندي، كان حزب "المؤتمر" المعارض يجاهد لكشف حقيقة هذه الصفقة، التي وصفها رئيسه المستقيل راهول غاندي بأنها "واحدة من أكبر عمليات الاحتيال في الهند بعد الاستقلال". واتهم في نوفمبر/ تشرين الثاني العام الماضي الجهات الرقابية في الهند بالتستر على هذه القضية وعلى "الأموال التي سُرقت من الخزانة الهندية أثناء صفقة شراء رافال"، ليرد وزير العدل الهندي حينها، رافي شانكار براساد، ببيان، جاء فيه: "المحكمة العليا ومؤسسة المراقب والمدقق العام لم تجدا خطأ في الاتفاقية، وأن حزب المؤتمر يتشبث بهذه القشة لأسباب انتخابية، حتى إن أنصار مودي على الإنترنت استنكروا الأمر ورأوا فيه محاولات لزعزعة الاستقرار، موجّهة من صحيفة يسارية من الخارج (ميديا بارت) بما تنشره من أخبار كاذبة".
وفقًا لصحيفة "ذا ايندو" الهندية، لم توافق الهند على سحب هذه البنود حتى سبتمبر/ أيلول 2016، لكن "ميديا بارت" طرحت هذا السؤال على مكتب لودريان، فاكتفى المتحدث باسم وزير الخارجية الفرنسية الحالي بالقول إن "الاتفاقية الحكومية الدولية [...] تتعلق فقط بالتزامات الحكومة الفرنسية لضمان التسليم وجودة رافال"، في إشارة إلى عدم تورط الحكومة الفرنسية بأي مفاوضات حول محتوى العقد.
في هذا السياق، تشير وثائق "ميديا بارت" إلى أن فرنسا خاضت هذه المفاوضات بالفعل مع الجانب الهندي، لتغيير شروط العقد وشطب البنود المتعلقة بـ"مكافحة الفساد"، وأشارت إلى أن المفاوضات جرت تحت إشراف مباشر من قبل لودريان، وخاضها فريق مكون من أحد عشر شخصاً، من بينهم ثمانية ضباط من المديرية العامة للأسلحة الفرنسية، والقوات الجوية، وممثلان عن شركة "داسو"، وواحد عن "إم بي دي إيه".
غوبتا الوسيط المتمرس 
تكشف وثائق "ميديا بارت" أن شركتي "داسو" و"تاليس" دفعتا أموالاً باهظة لصالح غوبتا من أجل الاستفادة من خبرته وعلاقاته العسكرية والسياسية واسعة النطاق، وقدموا له ملايين اليوروهات خلال معركة استمرت خمسة عشر عاماً للحصول على العقد، عندما أعلنت الهند عزمها شراء الطائرات الفرنسية في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

وبحسب مستندات التحقيق الهندي، فقد دُفعت الأموال لشركة صورية مسجلة في دبي، ليس لديها مكاتب أو موظفون، يسيطر عليها محامي عائلة غوبتا. وخلال الفترة ما بين 2004 و2008، دفع الجانب الفرنسي 2.4 مليون يورو من خلال هذه القناة لصالح الوسيط الهندي.
وبينما تلتزم السلطات الفرنسية الصمت على المستوى الرسمي حول هذه القضية حتى الآن، رفضت وزارة الدفاع التعليق على الوثائق الجديدة التي نشرها "ميديا بارت"، وقالت إنها "ليس لديها المزيد من التعليقات لإضافتها"، فيما اكتفى هولاند بالقول إنه "لم يتم إبلاغه في أي وقت بهذه العناصر التفاوضية".

المساهمون