خمس سنوات على هجمات باريس 2015: التهديد الإرهابي لم ينته بعد

13 نوفمبر 2020
130 قتيلًا راحوا ضحية الهجوم الإرهابي (Getty)
+ الخط -

لا يزال مسرح باتكلان في الدائرة الـ11 من العاصمة الفرنسية باريس يثير ذكرى مخيفة في نفس كل من يمر بجانبه، بل أكثر من ذلك، بات أول صورة تقفز إلى الأذهان عند أي هجوم جديد يقع في فرنسا، على الرغم من مرور خمس سنوات على الاعتداء الإرهابي الذي أوقع 130 قتيلاً.

وقعُ هجمات 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2015 لا يزال حاضراً في أذهان الناس، وكأن إطلاق النار لم يتوقف بعد، مع استمرار الهجمات، فكل ما حصل بعدها، على قساوته، لم يكن بمستوى دموية تلك الليلة في عام 2015، عندما شن إرهابيون هجمات، نفذها انتحاريون للمرة الأولى داخل الأراضي الفرنسية وكانت الأكثر دموية على الإطلاق في تاريخ فرنسا، استهدفت "استاد دو فرانس" قرب باريس، وعلى شرفات مطاعم وحانات في العاصمة، وفي قاعة مسرح باتكلان، حيث صادف وجود آلاف الأشخاص في وقت واحد.

وبعد خمس سنوات، تعرضت خلالها البلاد إلى 20 هجوما، كما أحبطت 61 هجوماً آخر، أحيت فرنسا ذكرى تلك الهجمات، وقد خرجت للتو من اعتداءات مماثلة: الهجوم على المقر القديم لمجلة "شارلي إيبدو" الساخرة من قبل لاجئ من أصول باكستانية، مقتل مدرس التاريخ صامويل باتي ذبحاً بقطع رأسه على يد لاجئ من أصول شيشانية، وأخيراً هجوم مدينة نيس. وكل ذلك يؤكد فقط أن التهديد الإرهابي ربما غير شكله وتكتيكاته لكنه لم ينته على الإطلاق.

ومن أمام مسرح باتكلان، غرد رئيس الوزراء جان كاستكس، الذي كان برفقة عمدة مدينة باريس آن هيدالغو: "باريس قد تضربها الأمواج لكنها لن تغرق"، ثم جالا على الحانات والمطاعم التي هاجمها الإرهابيون، وختما الجولة عند "ستاد دو فرانس"، المكان الذي شهد لحظات الرعب الأقسى بعد توجه منفذي العملية إليه، حيث كان يشهد مباراة لكرة القدم بين منتخب فرنسا ونظيره الألماني بحضور الرئيس آنذاك فرانسوا هولاند.

وحول قاعة مسرح باتكلان تجمهر العشرات في الخارج، بانتشار مكثف للشرطة، وصلّوا لأرواح ضحايا كانوا قبل 5 سنوات يغنون ويرقصون في حفل فرقة "الروك آند رول" الأميركية "أنجيلز أوف ديث ميتال"، فيما أطفأ برج إيفل أنواره على  بعد ما يقرب من 5 كيلومترات.

وأعطى هذا التهديد، الذي تم رفعه مؤخرًا إلى مستوى التأهب الأقصى، بعدًا خاصًا يوم الجمعة لإحياء ذكرى الهجمات، التي من المرجح أن تبدأ محاكمتها في سبتمبر/أيلول 2021 وتستمر لمدة ستة أشهر.

بالنسبة للرئيس السابق فرانسوا هولاند، فإن فرنسا اليوم أقل تخوفاً من عودة الهجمات المنسقة. وقال في "لوبارزيان"  اليوم الجمعة: "لقد ضربونا مرة أخرى، لكن بأفراد متعصبين يستخدمون السكاكين لإثارة الخوف". وكان هولاند أول رئيس يصف الهجمات الإرهابية ضد فرنسا بأنها إعلان حرب، ليعود ويؤكد على ذلك اليوم بالقول إن "الحرب على أرضنا لم تنته بعد، لكننا منذ عام 2015 كسبنا لعديد من المعارك".

مصير المعتقلين بتهم الإرهاب

وزير الداخلية جيرالد درمانان، الرجل الأقوى في فرنسا اليوم بمواجهة المتطرفين، كشف للمرة الأولى أن فرنسا رحّلت 48 متشدداً من أصل 231 تسعى باريس إلى إعادتهم إلى بلدانهم الأصلية.

وقال في تصريحات صحافية: "لا يزال هناك أكثر من مائة أجنبي في وضع غير نظامي نشتبه في كونهم راديكاليين على الأراضي الفرنسية".

من جهته، أعلن وزير العدل إريك دوبون موريتي، على قناة "إل سي أي": إن "الحكومة تسعى لتوفير ضمانات بشأن معاملة السجناء المتطرفين في الحجز، أو أولئك الذين سيتم إطلاق سراحهم قريباً". وأوضح أنه "لا يوجد إرهابي مدان (...) سيخرج من دون مراقبة مزدوجة: الإشراف القضائي من القاضي المسؤول عن تطبيق أحكام مكافحة الإرهاب؛ ومراقبة الشرطة".

التشريعات الأوروبية

وبمناسبة ذكرى هجمات باريس، قال وزراء داخلية دول الاتحاد الأوروبي الـ27، في إعلان مشترك تم تبنيه اليوم الجمعة، إنهم مصممون على إجراء المفاوضات الجارية بشأن التشريع القاضي بتشديد الرقابة على ما يسمونه "المحتوى الإرهابي" على شبكات الإنترنت "قبل نهاية العام الحالي".

وتابع الوزراء "نؤكد عزمنا على بذل كل ما في وسعنا لمحاربة هذا الإرهاب الهمجي بطريقة شاملة وبكل الأدوات المتاحة لنا".

ويأتي الاجتماع الوزاري الافتراضي بعد ثلاثة أيام من القمة الأوروبية المصغرة التي استضافتها باريس، والتي شددت على الحاجة إلى استجابة سريعة ومنسقة للاتحاد الأوروبي من أجل تصعيد الحرب ضد الإرهاب.

وقال وزير الداخلية الألماني هورست زيهوفر للصحافيين "نتفق جميعاً على أنه يجب تعزيز حماية الحدود الخارجية لأوروبا بشكل كبير وخاصة لأسباب أمنية".

يشار إلى أن تنظيم "داعش" الإرهابي كان قد أعلن مسؤوليته عن الهجمات، بعد مقتل البلجيكي عبدالحميد أباعود الذي كان أحد قياديي التنظيم في سورية والمشتبه بأنه العقل المدبر للهجمات، كما قتل المتطرف الذي هاجم المطاعم والحانات في اقتحام الشرطة لشقته في سان دوني بعد نحو أسبوع من فراره، بالإضافة إلى شريك له فجر نفسه في المكان الذي اختبأ فيه. أما المهاجم الوحيد الذي بقي على قيد الحياة، وهو فرنسي-بلجيكي يدعى صلاح عبد السلام، فسيحاكم مطلع عام 2021 في باريس إلى جانب 19 آخرين سيحاكمون غيابياً، وهم متهمون بتقديم الدعم اللوجستي للعملية، في حين ترجّح السلطات الفرنسية مقتل خمسة منهم في العراق وسورية.

دلالات
المساهمون