فرنسا تريد منع توثيق انتهاكات الشرطة

08 نوفمبر 2020
من احتجاجات باريس على عنف وعنصرية الشرطة (العربي الجديد)
+ الخط -

تسعى الحكومة الفرنسية إلى المصادقة على مشروع قانون يحظر نشر صور لعناصر وضباط قوات الأمن والشرطة أثناء تأديتهم عملهم، سواء على مواقع ومنصات التواصل الاجتماعي أو على وسائل الإعلام. وتتراوح عقوبة المخالفين بين الغرامات المالية الباهظة والسجن.

مشروع القانون المثير للجدل يحمل اسم "الأمن الشامل"، وأثار ضجة كبيرة تتصاعد منذ أيام في أوساط الصحافيين والناشطين الحقوقيين، وتحديداً عند النظر إلى السجل الحافل للعنف الذي تمارسه الشرطة الفرنسية وتكشف عنه مقاطع فيديو وصور أدت في كثير من الأحيان إلى محاكمات بحق أولئك الضباط والعناصر.

تساهم الصور ومقاطع الفيديو التي يوثقها ناشطون وصحافيون لعنف الشرطة وأجهزة الأمن الفرنسية في وضع مسار قضائي لتلك الحوادث، وأبرزها "قضية بنالا" التي تسببت بفضيحة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بعد قيام مساعده الأمني ومساعد مدير مكتبه، ألكسندر بنالا، بقيادة فريق من الشرطة خارج إطار القانون والاعتداء على ناشطين في عيد العمال، في مايو/أيار عام 2018.

وقد تشعبت الملفات التي فتحها القضاء أثناء تحقيقه في هذه القضية، بعد الكشف عن نشاطات سرية لبنالا واستخدامه جوازات سفر دبلوماسية بطريقة غير قانونية وإبرام صفقات مع رجل أعمال روسي لحماية ممتلكاته في فرنسا، مما أدى إلى إقالة مسؤولين مقربين من ماكرون، يوصفون بـ"مستشاري الظل" في الإليزيه.

الصحافي الفرنسي طه بوحفص كان بطل تلك الفضيحة، بعدما وثّق لحظة اعتداء بنالا على المتظاهرين في شريط فيديو نشرته صحيفة "لوموند" الفرنسية. يقول بوحفص لـ"العربي الجديد"، في تعليقه على مشروع القانون الجديد، إنه "غالباً ما يكون من الضروري أن تكون قادراً ليس فقط على تصوير فيلم، ولكن قبل كل شيء بث صور عنف الشرطة على وسائل الإعلام وتشكيل ضغط في الشبكات الاجتماعية، لتتوفر الإمكانية لبدء التحقيقات".

ويضيف بوحفص أنه في السنوات الأخيرة ساهم نشر هذه الصور في "وضع مسألة عنف الشرطة في صلب النقاش السياسي وفي النقاش الإعلامي (...) واليوم المؤسسة البوليسية والسلطة عامة فهمت جيداً أنها تخسر حرب الصور هذه، وما هو أفضل خيار للفوز من قمع توزيع هذه الصور؟".

ويؤكد أن المستهدف من هذا القانون لن يكون الصحافي الذي يعمل في وسائل إعلام فرنسية كبيرة، بل الصحافيون المستقلون والناشطون وحتى المواطنين العاديين الذي يشاركون في الاحتجاجات على سبيل المثال. ويرى أن "هذا القانون يقتل الحريات، ويقوض بشكل خطير حقوقنا الأساسية في حرية المعلومات وحرية الصحافة".

ويضيف أن "الشرطة هي مهنة ضمن الخدمة العامة في فرنسا، والمواطنون يدفعون رواتب الضباط والعناصر من الضرائب، لذا يجب أن تكون الشرطة في الخدمة العامة، مما يعني أنه لدينا الحق في مراقبة وانتقاد ونشر إخفاقاتها".

وكان النائبان من حزب الرئيس إيمانويل ماكرون "الجمهورية إلى الأمام"، أليس تورو وجان ميشال فوفيرغ، قد تقدما بمشروع هذا القانون في مارس/آذار عام 2019، بعد موجة الاحتجاجات العارمة التي شهدتها فرنسا من قبل جماعة "السترات الصفراء".

وكان مشروع القانون ينص على فرض عقوبات على من تصفهم الحكومة بـ"مفتعلي الشغب"، وسمي القانون على اسمهم،  أي "المخربين"، قبل أن تلحق به الحكومة فقرة تتعلق "بحماية مسؤولي الشرطة والجيش والأمن" في إطار قانون "الأمن الشامل".

في هذا السياق، نقلت صحيفة "لوموند" عن أليس تورو، يوم الجمعة، قولها إن هذا القانون "لا يتعلق بمنع الصحافيين من القيام بعملهم والتقاط الصور. حالات محددة جداً نستهدفها. يجب أن نكون قادرين على الاستجابة لدعوات العنف ضد أفراد قوات الأمن المستهدفين على الشبكات الاجتماعية تحديداً، وليس لدينا الأدوات القانونية للقيام بذلك في الوقت الحالي. في حالات عدة تعرف فيها الأشخاص على المسؤولين في مقاطع فيديو منتشرة هُددت خصوصيتهم".

وتنص "المادة 24" من نص القانون على "الحد من التقاط الصور في الميدان، لا سيما أثناء عمليات إنفاذ القانون (بهدف إظهار) صورة الوجه أو أي عنصر آخر، لتحديد هوية مسؤول في الشرطة الوطنية أو جندي في الدرك الوطني عندما يتصرف في إطار عملية للشرطة. يعاقب المخالف بالسجن لمدة عام واحد ودفع غرامة 45 ألف يورو".

وتشهد فرنسا جدلاً مستمراً منذ سنوات حول مسألة عنف الشرطة، تصاعدت منذ بداية ظهور حركة "السترات الصفراء" التي نالها النصيب الأكبر من عمليات القمع. كما أن النصف الثاني من العام الحالي شهد تظاهرات ضخمة نظمتها عائلات ضحايا الشرطة، وهم في غالبيتهم فرنسيون من أصول أجنبية أو مسلمين يعيشون في الضواحي الباريسية.

عبد المؤمن ليف عضو تجمع "النور من أجل صبري"، يقول عن صبري، وهو شاب تتهم عائلته الشرطة بقتله أثناء ملاحقته خلال فترة الحجر الصحي الأولى في فرنسا بسبب جائحة كورونا، لـ"العربي الجديد"، إن "مقاطع الفيديو هي الدليل الوحيد الذي يمكن أن يسمح لنا بإثبات حقيقة وجود عنف من قبل الشرطة أم لا، وعندما يمنعوننا من توثيق ذلك فهم يحرموننا من هذا الحق الذي يعد سلاحنا الوحيد، في مقابل رجال الشرطة الذين يؤذوننا جسدياً أو لفظياً وهم مزودون بالهراوات وقنابل الغاز".

ويضيف ليف "هاتفنا المحمول وكاميراتنا هي الوحيدة التي يمكنها إثبات أن أفعالهم غير مقبولة في مجتمعنا (...) لقد فقدت صديقاً (صبري) مات أثناء مصادفته دورية للشرطة، وللأسف كان الوقت متأخراً ولم يكن هناك أحد لتوثيق ما حصل. لا أستطيع تقبل حقيقة أن هناك مآسي أخرى من هذا النوع ستقع. لن أقبل أن يموت شخص آخر بسبب تصرفات هذه المؤسسة".

وفي أولى ردات الفعل على قانون "الأمن الشامل"، قالت هيئة "المدافعين عن الحقوق"، في بيان لرئيستها الناشطة الحقوقية كلير هيدون، إنها "قلقة بشكل خاص" من البند الذي يحظر نشر صور لأفراد وضباط عناصر الشرطة. وأضافت "لا يجب أن يعيق هذا القانون حرية الصحافة أو الحق في الحصول على المعلومات". وذكّرت بأن "الإعلام ونشر الصور المتعلقة بتدخلات الشرطة أمر مشروع وضرورى للعمل الديمقراطي".

وفي محاولة للضغط على الحكومة، أطلق صحافيون وناشطون في مجال الحريات وحقوق الإنسان عريضة على الإنترنت تطالب الحكومة بعدم المصادقة على هذا القانون. وجمعت حتى الآن أكثر من 600 ألف توقيع. 

وجاء فيها "إذا مُرّر هذا القانون، فإن إفلات الشرطة من العقاب سيكون أكبر. يجب أن نمنع هذا، من أجل جميع ضحايا الشرطة وكل أولئك الذين سيكونون ضحايا. لن ندعهم يقفون في طريق حرياتنا الأساسية".

وكانت منظمة "العفو الدولية" قد قالت في تقريرها السنوي الأخير حول الحريات في فرنسا إن السلطات "فرضت قيوداً غير متناسبة على الحق في حرية التجمع السلمي. وأصيب الآلاف من المحتجين بجروح على أيدي أفراد الشرطة، أو أُلقي القبض عليهم وجرت مقاضاتهم على أسس أو بسبب جرائم واهية تحظى بالحماية بموجب قانون ومعايير حقوق الإنسان. وتعرض مراقبو حقوق الإنسان والصحافيون المستقلون وناشطو البيئة والناشطون المدافعون عن حقوق اللاجئين والمهاجرين للترهيب والمضايقة المتكررين من جانب الشرطة".

المساهمون