بعد أكثر من شهرين على بدء معركة تحرير الرقة من سيطرة تنظيم "داعش" الإرهابي، يعيش من تبقى من أهالي المدينة تحت قصف عنيف لا يميز بين مدني وعسكري، وحصار يحرمهم من أبسط متطلبات الحياة كالغذاء والدواء.
ووقعت أحدث فصول المأساة أمس، إذ ارتكبت قوات التحالف الدولي مجزرة بحق 31 مدنياً من أهالي الرقة، بغارة جوية استهدفت شارع المعتز وسط المدينة، وأكدت مصادر من المدينة أن مجزرة ارتكبت بحق ثلاث عائلات، وراح ضحيتها نساء وأطفال.
ويواجه المدنيون الذين يحاولون الهروب من جحيم المعارك خطر الألغام التي زرعها التنظيم في محيط الرقة، ما يتسبب بوقوع ضحايا مدنيين بشكل شبه يومي، وآخر الضحايا الموثقين، هم ثلاثة أطفال من عائلة عوض، لا يتجاوز سن أكبرهم العاشرة، وأصيب والداهما بجروح.
ويروي بشير القدور، وهو أحد الهاربين من الرقة، أحد وجوه المعاناة التي يغيبها انقطاع جميع وسائل الاتصال مع المدينة، قائلاً إن "عائلتي وعائلة أخي وأبي، وعددنا 15 شخصاً، مكثنا 12 يوماً في الطابق الأرضي بمنزلنا ننتظر قدرنا، نشعل الشموع أحياناً ونتحمل الظلام أحياناً أخرى، حتى لا تنفد الشموع التي نملكها، انقطعت الكهرباء منذ بدء المعركة كليا".
ويضيف "كنا نخرج في الصباح الباكر، وكذلك جيراننا لنحمل الماء من البئر إلى ملجئنا، فلا يوجد أي متجر أو مشفى ولا بائع ولا أي شيء، كنا نعيش على الأرزّ الذي قمنا بتخزين قدر منه قبل بدء المعركة. لكن في بعض الأيام كان القصف يبدأ باكراً، فلا يتسنى لنا الخروج".
ويتابع "كان إحساسي بالذنب يقتلني لأننا لم ننزح منذ البداية، خرجت أبحث عن مهرب، فوجدت موالياً لـ "داعش" يدعي أنه يستطيع تهريب الناس من طريق ما، لا يحتوي ألغاماً مقابل المال، لم يكن لدينا مال، فعرضت عليه أساور زوجتي الذهبية فوافق، وخرجت مع زوجتي وأطفالي، ورفض بقية أفراد الأسرة الخروج معنا خوفاً من الألغام".
ويوضح "كنا نسمع كل يوم أن أشخاصاً ماتوا بسبب الألغام، فخاف كثيرون من الخروج، لكني قررت النزوح، فإن بقينا في الرقة كنا سنموت لا محالة، وعلى الطريق شاهدنا جثثاً لأناس قتلتهم الألغام، لكننا نجونا بأعجوبة".
وفي السياق، أطلق ناشطون سوريون حملة "مخيمات الموت" لتسليط الضوء على معاناة النازحين السوريين من مناطق سيطرة "داعش"، وأشار بيان الحملة، إلى أن الهاربين من مناطق سيطرة "داعش" وجدوا أنفسهم في مخيمات الموت المنتشرة في أرياف محافظة الحسكة، والتي تديرها قوات سورية الديمقراطية (قسد)، حيث المعاملة التي لا تليق بالإنسان، في ظل غياب الاحتياجات الغذائية والدوائية، والتي تسببت بحالات وفاة نازحين، أغلبهم من كبار السن والمرضى والأطفال.
وأضاف البيان، "يبدو الوضع مماثلاً في مخيمات الركبان والرويشد على الحدود الأردنية، والتي تبدو كأنها خارج نطاق الإنسانية"، وطالبت الحملة بفتح ممرات إنسانية للمدنيين الهاربين من مناطق الاشتباكات، ومن مناطق سيطرة "داعش"، وتوفير إشراف أممي على مخيمات النازحين في الداخل السوري، والتي تحولت إلى معتقلات، وإيجاد آلية تضمن حماية هؤلاء النازحين وأُسرهم، وإيصال مقومات الحياة الضرورية إليهم.
وكانت حملة "الرقة تذبح بصمت" وثقت وقوع 946 قتيلاً من أبناء الرقة منذ بدء معركة تحرير المدينة، فضلاً عن وجود نحو 30 ألف محاصر، وفرار أكثر من 450 ألف نازح.