بخطواته الثقيلة، يتنقل المواطن الفلسطيني، كامل البطش(65 عاماً)، من قطاع غزة، بين قبور أكثر من 13 قتيلاً من أفراد عائلته، سقطوا في غارة إسرائيلية استهدفت منزله خلال العدوان على القطاع، صيف العام الماضي.
ما إن انتهى من قراءة سورة "الفاتحة" على تلك القبور، حتّى أوثق قبضته على صدره كأنه يحاول إخماد الألم، الذي يتأجج في قلبه، كلما توارد إلى ذهنه أنّ ابنه "مؤمن" (25 عاماً) والذي قتل في ذات الغارة، لم يظهر لـ"جسده" أثر إلى اليوم، وحرم حتى من أن يكون لفلذة كبده قبر، يزوره.
بعد مرور عامٍ على انتهاء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، لم يجد البطش جثّة نجله تحت ركام منزله، مرجحاً أن تكون الصواريخ التي أُسقطت على منزله، قد أذابتها، أو فتَّتَتْها فأصبحت رماداً. ولم تكن جثّة مؤمن هي الوحيدة المفقودة إثر استهداف الطائرات الحربية الإسرائيلية منزل المسن الفلسطيني في 12 يوليو/ تموز الماضي، إنما فُقدت معها خمس جثث أخرى، إحداها لطفلة تبلغ من العمر عامين، وأخرى لامرأة حامل.
وفي ذلك التاريخ، من العام الماضي، سقط 19 فرداً من عائلة البطش، عندما استهدفت الطائرات الحربية الإسرائيلية بصاروخين منزل العائلة، شرق مدينة غزة، في ما تسببت تلك الغارة بهدم عدة منازل مجاورة.
اقرأ أيضاً: مجزرة عائلة البطش.. القاتل إسرائيلي والصمت عربي
يقول البطش: "كلما جئت لأزور قبور شهداء العائلة، تسوء حالتي النفسية كثيراً، ليس لأجل من وسدوا التراب فقط، بل من أجل من لم نستطع أن نجد له جثة نورايها الثرى حتى اليوم، ابني مؤمن... فبعد عمليات كثيرة من البحث عن الجثث المفقودة لمدة عام لا يزال جثمان ولدي مفقوداً، وهو ليس وحده".
ويضيف: "لدينا 6 جثث مفقودة تعود لعائلة البطش وحدها، خلال الحرب الأخيرة، مشيراً إلى أن هناك جريمة كبرى، ارتكبت في هذا المكان، ولا أحد يعلم مداها سوى قادة الجيش الإسرائيلي".
وطالب البطش المؤسسات الحقوقية والدولية بـ"محاكمة المسؤولين الإسرائيليين الذين اتخذوا قراراً بشن الحرب، وقادة الجيش الذين وجّهوا الضربات العسكرية تجاه المدنيين بقطاع غزة".
اقرأ أيضاً: اليوم الأكثر دمويّة منذ العدوان: 120 شهيداً
من جهةٍ أخرى، لم تصدر عن وزارة الصحة الفلسطينية، حتى توقيت نشر هذا التقرير، إحصائية توثّق عدد الجثث التي لا تزال مفقودة، منذ انتهاء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
أما عائلة البطش، فقد أوقفت، قبل أقل من شهرين تقريباً، عمليات البحث عن جثث المفقودين، تحت ركام منزلهم المدمّر، في منطقة الشُّجاعية، شرق مدينة غزة. وعملت العائلة خلال العام الماضي، أي منذ انتهاء الحرب حتّى أقل من شهرين، على تمرير رمال وركام المنزل، عبر مصفاة، للبحث عن أي أثر للجثث المفقودة.
ويقول زياد أبو هين، ابن حسن أبو هين(83 عاماً)، والمفقودة جثّته في 23 يوليو/ تموز الماضي، "استهدفت الطائرات الإسرائيلية منزلنا، وأدت الغارة إلى استشهاد 3 أفراد من العائلة"، مردفاً "طواقم الدفاع المدني انتشلت جزءاً من جثّة تعود لابن أخي، فيما لم يتم العثور على بقية الجثة حتى اليوم". ويتابع: "بقيت جثتي والدي، وابن أخي، مفقودتين، لم نجد منهما ولا حتّى أية عظمة، إذ تم البحث تحت الأرض على عمق 3-4 أمتار".
ومع اقتراب شهر رمضان، يستذكر أبو هين الحادثة ويصفها بـ"المؤلمة"، خصوصاً أن والده "رحل، ولم يُبنَ له إلا قبر رمزيّ".
اقرأ أيضاً الأمم المتحدة: إسرائيل تقتل طفلاً فلسطينياً كل ساعة