في السنوات الأخيرة تنتشر بشكل متزايد صور القتلى في العاصمة العراقية بغداد، بالترافق مع لافتات تحمل نعيهم. صور تتسبب بكثير من الفوضى، ولا تستفيد منها إلاّ المطابع
لطالما كان العراق مزدحماً بالموت، خصوصاً منذ الغزو الأميركي عام 2003 وما تبعه من فوضى وحروب ومعارك لا تنتهي واحدة حتى تبدأ أخرى. الأسباب تتنوع اليوم، وترتفع معها أعداد الضحايا. القتل يتنقل من مدينة إلى أخرى، وأرقام الموتى بالجملة. العراق الذي اعتاد وألِف أخبار الموت، اعتاد معها أساليب النعي، لكنّ قطعة القماش الأسود التي كانت مخصصة لذلك تغيرت الآن.
يقول الناشط أحمد القيسي لـ"العربي الجديد": "منذ سنوات قليلة، كان الناس في العراق ينعون موتاهم بلافتات يخطونها لدى الخطاطين، وهي عبارة عن قطعة من القماش غالباً ما يكون لونها أسود. هذه اللافتات تتطلب بعض الوقت لإنجازها بانتظار جفاف الطلاء. لكن بعد التطور في مجال الطباعة، بتنا نشهد توجهاً لافتاً من الأهالي نحو المطابع لطباعة لافتات نعي الموتى بدلاً من الذهاب إلى محال الخطاطين. شاعت في الآونة الأخيرة عملية نشر صور قتلى المليشيات بشكل بوسترات تلصق على جدران شوارع بغداد والمحافظات التي تنتشر فيها المليشيات أو في المدن التي جاء العناصر منها".
يتابع: "المطابع تنفذ العمل بشكل أسرع وأكثر قدرة على التحكم بالمحتوى. بات النعي عبارة عن ملصق مطبوع بحجم أكبر من لافتة القماش بالإمكان إضافة صورة الشخص المتوفي إليه. مما يسهّل على الناس التعرف على المتوفي. كما ساهمت تلك المطابع في إرشاد وتشجيع الناس على أنّه ليس من الضروري أن يكون لون اللافتة أسود بل لا ضير في أن يكون أبيض بإطار أسود أو العكس. هذه الفكرة من أهل المطابع صحيحة لكنها نبعت من حاجتهم إلى تقليل كمية الحبر في اللافتة. ولأنّ العنف مستمر في العراق وترتفع أعداد الموتى والقتلى في السنوات الأخيرة فقد راجت طباعة اللافتات في المطابع وأصبحت تجارة تتوسع وتتطور بمرور الأيام". يشير إلى أنّ "أهم ما يميز البوستر عن لافتة القماش وضوحه وإدخال صورة الفقيد فيه وكتابة العبارات والأشعار تعبيراً عن حزن الأهل وتكريماً له وتخليداً لذكراه".
يشير إلى أنّ "الملصقات تحمل رسالة بسيطة تجمع بين الكلمات والرسوم أو الصور، لكنّها اليوم أخذت بعداً آخر. فقد تعلن الملصقات عن أحداث معينة من الانتخابات أو المسرحيات أو الأفلام أو المعارض الفنية، أو تبلّغ رسالة سياسية. لكنّ لافتات النعي برزت بشكل واضح نظراً لارتفاع أعداد القتلى اليومي، خصوصاً إذا كان القتيل شاباً. ذلك يدفع ذويه إلى نعيه بلافتات وصور يضعونها في الجزر الوسطية بين الشوارع أو بالقرب منها". ومع تزايد أعداد صور القتلى أضحت شوارع المدن عبارة عن معرض للصور واللافتات، حتى أنّ البعض يعزون حوادث السير إلى تلك الصور واللافتات المنتشرة بشكل عشوائي. ويلفت القيسي إلى أنّ أحداً لا يجرؤ على إزالة الصور نظراً إلى أنّ الكثير من المنعيين ضالعون في أحزاب سياسية".
لا يقتصر الأمر على الصور، فالبعض يغير أسماء الشوارع حتى. ويقول القيسي إنّ فقدان الأمن في العراق أفرز الكثير من الفوضى، فصار كل من يُقتل ابنه أو قريب له يغير اسم الشارع على اسمه. وذلك من دون الرجوع إلى البلديات أو أي جهة مختصة.
اقــرأ أيضاً
بدوره، يقول الإعلامي المستقل تراث العزاوي لـ"العربي الجديد": "بعد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، بدأ النعي يأخذ منحى آخر عندما أخذت الأحزاب الإسلامية بالنشاط السياسي. وهي التي سنّت ذلك العمل، ليصبح في ما بعد عرفاً أو تقليداً. النعي في السابق كان يحمل أفكاراً بسيطة وكلمات مباشرة وزهداً يتماشى مع الواقع الذي انتقل فيه الإنسان من حالة الحياة الى حالة الموت. لكنّ الأمر تطور لاحقاً ليتخذ بعداً إعلامياً وسياسياً في الدرجة الأساس. فبات هناك تقليد للتميز والابتكار في النعي".
يوضح أنّ لافتات القماش تختلف عن الملصقات، كون الأخيرة تواكب الحدث وتعزز قيمة الرسالة المراد تسويقها. ويشير إلى أنّ "بعض الأحزاب لديها مطابع خاصة تطبع بوسترات نعي قتلاها من خلال طباعة وتنصبها أو تلصقها في الطرقات والشوارع الرئيسية، من دون الاكتراث إلى ما تحدثه من فوضى، في كونها تحجب الرؤية عن السائقين وتتسبب في تشويه منظر الشوارع ومداخل المدن".
يشير العزاوي إلى ناحية أخرى للنعي بهذه الطريقة: "سبب النعي بالبوسترات هو لتمييز القتيل عن قتيل آخر، فالغني أو من يتولى موقعاً قيادياً في أحد الأحزاب أو إحدى المليشيات تكتب عشرات اللافتات التي تشير إلى مقتله في معركة ما. كما تُطبع بوسترات ملونة تحمل شعارات وعبارات تهديد مبطن أحياناً، أو تشير إلى انتماء القتيل وقاتليه. وهذا الأمر يحمل دلالات تثير الريبة والخوف في نفوس الآخرين. أما البسطاء فإنّهم يكتفون بنعي موتاهم وقتلاهم بقطعة من القماش تخط فوقها آية قرآنية واسم المتوفي ومكان مجلس العزاء".
من جهته يشير أبو مصطفى العزي، وهو مالك مطبعة المصطفى، إلى أنّ "النعي بالملصقات المطبوعة إلكترونياً يلقى رواجاً في السنوات الأخيرة، خصوصاً مع انتشار المطابع نتيجة الانتخابات وحاجة السوق إليها ومع رخص ثمن المطبوع قياساً بمواصفاته". يضيف لـ"العربي الجديد" أنّ "نعي القتلى بهذه الطريقة لا يخلو من التباهي أحياناً. أما المستفيدون الأساسيون فهم أصحاب المطابع".
اقــرأ أيضاً
لطالما كان العراق مزدحماً بالموت، خصوصاً منذ الغزو الأميركي عام 2003 وما تبعه من فوضى وحروب ومعارك لا تنتهي واحدة حتى تبدأ أخرى. الأسباب تتنوع اليوم، وترتفع معها أعداد الضحايا. القتل يتنقل من مدينة إلى أخرى، وأرقام الموتى بالجملة. العراق الذي اعتاد وألِف أخبار الموت، اعتاد معها أساليب النعي، لكنّ قطعة القماش الأسود التي كانت مخصصة لذلك تغيرت الآن.
يقول الناشط أحمد القيسي لـ"العربي الجديد": "منذ سنوات قليلة، كان الناس في العراق ينعون موتاهم بلافتات يخطونها لدى الخطاطين، وهي عبارة عن قطعة من القماش غالباً ما يكون لونها أسود. هذه اللافتات تتطلب بعض الوقت لإنجازها بانتظار جفاف الطلاء. لكن بعد التطور في مجال الطباعة، بتنا نشهد توجهاً لافتاً من الأهالي نحو المطابع لطباعة لافتات نعي الموتى بدلاً من الذهاب إلى محال الخطاطين. شاعت في الآونة الأخيرة عملية نشر صور قتلى المليشيات بشكل بوسترات تلصق على جدران شوارع بغداد والمحافظات التي تنتشر فيها المليشيات أو في المدن التي جاء العناصر منها".
يتابع: "المطابع تنفذ العمل بشكل أسرع وأكثر قدرة على التحكم بالمحتوى. بات النعي عبارة عن ملصق مطبوع بحجم أكبر من لافتة القماش بالإمكان إضافة صورة الشخص المتوفي إليه. مما يسهّل على الناس التعرف على المتوفي. كما ساهمت تلك المطابع في إرشاد وتشجيع الناس على أنّه ليس من الضروري أن يكون لون اللافتة أسود بل لا ضير في أن يكون أبيض بإطار أسود أو العكس. هذه الفكرة من أهل المطابع صحيحة لكنها نبعت من حاجتهم إلى تقليل كمية الحبر في اللافتة. ولأنّ العنف مستمر في العراق وترتفع أعداد الموتى والقتلى في السنوات الأخيرة فقد راجت طباعة اللافتات في المطابع وأصبحت تجارة تتوسع وتتطور بمرور الأيام". يشير إلى أنّ "أهم ما يميز البوستر عن لافتة القماش وضوحه وإدخال صورة الفقيد فيه وكتابة العبارات والأشعار تعبيراً عن حزن الأهل وتكريماً له وتخليداً لذكراه".
يشير إلى أنّ "الملصقات تحمل رسالة بسيطة تجمع بين الكلمات والرسوم أو الصور، لكنّها اليوم أخذت بعداً آخر. فقد تعلن الملصقات عن أحداث معينة من الانتخابات أو المسرحيات أو الأفلام أو المعارض الفنية، أو تبلّغ رسالة سياسية. لكنّ لافتات النعي برزت بشكل واضح نظراً لارتفاع أعداد القتلى اليومي، خصوصاً إذا كان القتيل شاباً. ذلك يدفع ذويه إلى نعيه بلافتات وصور يضعونها في الجزر الوسطية بين الشوارع أو بالقرب منها". ومع تزايد أعداد صور القتلى أضحت شوارع المدن عبارة عن معرض للصور واللافتات، حتى أنّ البعض يعزون حوادث السير إلى تلك الصور واللافتات المنتشرة بشكل عشوائي. ويلفت القيسي إلى أنّ أحداً لا يجرؤ على إزالة الصور نظراً إلى أنّ الكثير من المنعيين ضالعون في أحزاب سياسية".
لا يقتصر الأمر على الصور، فالبعض يغير أسماء الشوارع حتى. ويقول القيسي إنّ فقدان الأمن في العراق أفرز الكثير من الفوضى، فصار كل من يُقتل ابنه أو قريب له يغير اسم الشارع على اسمه. وذلك من دون الرجوع إلى البلديات أو أي جهة مختصة.
بدوره، يقول الإعلامي المستقل تراث العزاوي لـ"العربي الجديد": "بعد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، بدأ النعي يأخذ منحى آخر عندما أخذت الأحزاب الإسلامية بالنشاط السياسي. وهي التي سنّت ذلك العمل، ليصبح في ما بعد عرفاً أو تقليداً. النعي في السابق كان يحمل أفكاراً بسيطة وكلمات مباشرة وزهداً يتماشى مع الواقع الذي انتقل فيه الإنسان من حالة الحياة الى حالة الموت. لكنّ الأمر تطور لاحقاً ليتخذ بعداً إعلامياً وسياسياً في الدرجة الأساس. فبات هناك تقليد للتميز والابتكار في النعي".
يوضح أنّ لافتات القماش تختلف عن الملصقات، كون الأخيرة تواكب الحدث وتعزز قيمة الرسالة المراد تسويقها. ويشير إلى أنّ "بعض الأحزاب لديها مطابع خاصة تطبع بوسترات نعي قتلاها من خلال طباعة وتنصبها أو تلصقها في الطرقات والشوارع الرئيسية، من دون الاكتراث إلى ما تحدثه من فوضى، في كونها تحجب الرؤية عن السائقين وتتسبب في تشويه منظر الشوارع ومداخل المدن".
يشير العزاوي إلى ناحية أخرى للنعي بهذه الطريقة: "سبب النعي بالبوسترات هو لتمييز القتيل عن قتيل آخر، فالغني أو من يتولى موقعاً قيادياً في أحد الأحزاب أو إحدى المليشيات تكتب عشرات اللافتات التي تشير إلى مقتله في معركة ما. كما تُطبع بوسترات ملونة تحمل شعارات وعبارات تهديد مبطن أحياناً، أو تشير إلى انتماء القتيل وقاتليه. وهذا الأمر يحمل دلالات تثير الريبة والخوف في نفوس الآخرين. أما البسطاء فإنّهم يكتفون بنعي موتاهم وقتلاهم بقطعة من القماش تخط فوقها آية قرآنية واسم المتوفي ومكان مجلس العزاء".
من جهته يشير أبو مصطفى العزي، وهو مالك مطبعة المصطفى، إلى أنّ "النعي بالملصقات المطبوعة إلكترونياً يلقى رواجاً في السنوات الأخيرة، خصوصاً مع انتشار المطابع نتيجة الانتخابات وحاجة السوق إليها ومع رخص ثمن المطبوع قياساً بمواصفاته". يضيف لـ"العربي الجديد" أنّ "نعي القتلى بهذه الطريقة لا يخلو من التباهي أحياناً. أما المستفيدون الأساسيون فهم أصحاب المطابع".