في كل مرة تظن فيها عائلة الأسير عمر البرغوثي "أبو عاصف" (63 عاما) من قرية كوبر شمالي رام الله وسط الضفة الغربية، أن الاستقرار والعيش بأمان مع عمر قد يكون ممكناً، تجدد قوات الاحتلال الإسرائيلي معاناة العائلة، وتكرر مسلسل الاعتقال بحقه.
أصبح السجن بالنسبة لأبو عاصف حياة بديلة، وبات عيشه في الحرية كزائر يختطفه غول الاحتلال من بين أحضان العائلة دوماً، كما تشير زوجته سهير البرغوثي "أم عاصف" لـ"العربي الجديد".
28 عاماً من الاعتقال في سجون الاحتلال الإسرائيلي عاشت فيها عائلة عمر البرغوثي لحظات صعبة، تنقل أبو عاصف خلالها من سجن إلى سجن. أحكام مختلفة أنزلت بحقه ولمرات عدة كان يخرج من السجن ثم يعتقل وهكذا، منها 13 عاماً في الاعتقال الإداري. موعده مع الاعتقال للمرة الأولى كان عام 1978، وحكم بالسجن المؤبد بتهمة قتل إسرائيلي وخرج بعد سبع سنوات بصفقة تبادل للأسرى.
واعتقل عمر البرغوثي آخر مرة في 9 من نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي، إثر مطالبات له بتسليم نفسه خلال إجرائه لعملية قسطرة في القلب وهو مريض بالسكري وضغط الدم، ثم حول إلى الاعتقال الإداري أربع مرات متتالية، ويقبع حاليا في سجن النقب الإسرائيلي بصحراء النقب جنوبي فلسطين المحتلة، يتجرع مرارة الصحراء بحرّها وبردها.
أبو عاصف الرجل الستيني الثائر والمناضل، يتميز بعلاقاته المميزة مع جميع أهالي قريته كوبر، وفي السجن أيضاً يحبه الجميع من التنظيمات الفلسطينية كافة، لاهتمامه ومحاولته حل مشكلات المحيطين به.
الرجل الستيني رغم تقدّمه في السنّ إلا أنه على العهد الذي بدأه مناضلا ثائراً ضد الاحتلال، وهمته بهمة الشباب. أطلق على ابنه البكر اسم "عاصف" عام 1977، حين كانت "العاصفة" الجناح العسكري لحركة فتح في أوج عنفوانها وتضحياتها ضد الاحتلال، وكان عمر أحد كوادر حركة فتح إلى أن استقر الأمر به الآن وأصبح أحد قادة حركة حماس.
رغم المرض الذي أعيا عمر البرغوثي، وتكرار سجنه على مدار 38 عاما، إلا أنه لا يظهر ضعفه للآخرين، فهو صبور، وهذا أمر يغيظ الاحتلال كثيرا، تقول أم عاصف.
تستذكر أم عاصف حياتها المرّة بغياب زوجها عنها في أشد لحظات حاجتها إليه. إذ ترك لها عمر حملا كبيراً بتربية أربعة أبناء وابنتين، وأصبح لديه 10 أحفاد الآن. وحرمت العائلة من مشاركة أبو عاصف لحظاتها السعيدة حتى في الأعياد، وتقول:"حرم أبو عاصف من أن يكون معنا في نحو 54 عيداً و28 رمضان".
غاب أبو عاصف عن حفلات زفاف أبنائه وبناته سوى واحدة، وحرم من إلقاء نظرة الوداع على والديه قبل دفنهما، وهي المعاناة ذاتها التي عانى منها ويعانيها شقيق عمر، نائل البرغوثي الذي أمضى في سجون الاحتلال أكثر من 35 عاماً حتى الآن.
تؤكد أم عاصف لـ"العربي الجديد"، أن المرأة الفلسطينية دائماً قوية، لكنها إنسانة لها مشاعر كذلك، ومطلوب منها ألا تنهار وأن تكون صابرة، وتقول: "كنت أحس بالنقص في مناسباتنا الاجتماعية، كل أقاربي موجودون إلا زوجي".
عاشت سهير أصعب لحظات حياتها حين كان زوجها وشقيقها وابنها وزوج ابنتها معتقلين كذلك في سجون الاحتلال. كما لا يسمح لها بزيارة زوجها وابنها عاصم القابع حالياً في السجن منذ 10 سنوات إلا كل عدة أشهر، وهي ممنوعة من السفر لا لذنب ارتكبته سوى أنها زوجة عمر البرغوثي.
ما يهم أم عاصف أن يكون زوجها بخير، لا تريد شيئاً إلا أن يكون كذلك، وتقول "نريده أن يكون بخير ونحن معه على طول الخط"، لكنها في ذات الوقت تتهم التنظيمات والسلطة الفلسطينية بالتقصير بحق الأسرى وأهاليهم.