"كلام على ورق" هيفا وهبي الجمال وحده لايكفي

09 يوليو 2014
أحد مشاهد التحقيق مع حبيبة بيطار
+ الخط -
 
أرادت هيفا وهبي من خلال مسلسل "كلام على ورق" الانتصار لنفسها كممثلة، والقول إنّها فنانة تجيد التمثيل، أو أقلّه نجمة شبّاك استعراضية. لكنّها أغفلت أمورا كثيرة يطلبها عمل درامي معقّد في الرؤية والمعالجة وتجسيد الأدوار. 
قد بدا واضحا أنّ هيفا فصّلت القصّة والسيناريو على مقاسها أو فُصّل، بيد الكاتب أيمن سلامة ورؤيته، على قياس هيفا. ودون شكّ وقع سلامة ومحمد سامي، ووقع معظم الممثلين في شرك هيفا الجميلة وفي الانبهار بها. فخرجت القصّة عن الورق لتتحوّل إلى رسوم مبعثرة.
نبدأ من التحقيقات وإدخال المشاهد في دوّامة أحداث هوليوودية تعتمد على الأكشن وليس على الدراما. وننتقل إلى الدور المعقّد لشخصية حبيبة بيطار (هيفا وهبي) واتّهامها بجريمة قتل عشيقها مجدي (أحمد السعدني) في إحدى قرى جبال لبنان، وخضوعها لفترة تحقيق طويلة أمام الكاميرا... صور سوريالية جدا، تقترب من المشاهد بقدر ما تهرب منه. إذ يتقصّد محمد سامي "التشويش" على عقولنا. حتّى أنّه أرفق مشاهد الحركة بموسيقى الأكشن ليشعرنا أنّنا أمام جريمة قتل، ودماء، وتعاطي مخدرات. ويزيد من عدم التناسق انتقالُ المحقّق (عمّار شلق) من العداء والقسوة غير المبرّرة مع المتّهمة حبيبة، إلى إعجاب غرائزيّ بها.
غير أنّ أكبر مكامن الخلل في العمل هو صورة هيفا التي تتخطّى، بجمالها وتأثيرها على المشاركين، المحور الأساسي لقصّة تدور في فلك أربعة أو خمسة رجال وقعوا في غرامها. فكالعادة لا أحد منهم استطاع مقاومة جمال حبيبة بيطار. هذه السيّدة التي نزحت من قرية لبنانية للبحث عن مستقبلها في عالم الخياطة أو تصميم الأزياء، بمساعدة رفيقتها كارن (ندى بو فرحات). وسريعا تقع النازحة الجميلة في شباك مصالح الرجال وصورهم الممزّقة، عبر شريط متقطّع من الأحداث، داخل "كادر" وعدسات ملتوية أراد منها المخرج محمد سامي الابتعاد عن التقليدية في التصوير. لكنّه سقط في رفض المشاهد تقنية لا يعرفها ولا يريدها.

بعيدا عن النقد التقني لموهبة محمد سامي، استطاعت هيفا أن تكون مقنعة بحدود ما تطلّبه الدور منها. لكن يبدو أنّ المخرج تناسى أو غضّ النظر عن بعض الأمور البديهية اللازمة. فدور بنت القرية اللبنانية ليس مناسبا أن يظهرها طوال الوقت بشعر أحمر. فهل السبب هو رغبة في تغيير صورة هيفا النمطية؟ أو المطلوب التأكيد على صورة هيفا المثيرة التي انطبعت في أذهان متابعيها أكثر من عشرين عاماً؟
لا جواب على هذه الأسئلة. حتّى ظهور هيفا بماكياج صارخ مثلا، وهي على سرير المستشفى تصارع الموت، لا مبرّر له. لكنّ النتيجة توليفة تبدو مغايرة لتوقعات صانع مسلسلي "مع سبق الإصرار" و"حكاية حياة" لغادة عبد الرازق. أي توقّعات المخرج نفسه، محمد سامي، الذي فشل هذا العام في التغيير أو التجديد.
فقد وقع سامي ضحية التوجّه اللبناني المزيّف، وفشل في صناعة عمل درامي حقيقي يكون أقرب إلى الواقع وليس خياليا أو شبيها بـ"كلام على ورق"، وما رافقه من بروباغندا إعلامية تهويلية سبقت طرحه بأشهر. فانتظره مشاهد أراد معرفة ماذا ستقدّم هيفا بعد اختبارات أخضعت لها في الغناء والاستعراض. تجارب واختبارات تبقى بلا أحكام نهائية. واليوم تاه الجمهور بين أن يضع هيفا على طبق الخيال، في موقع "رمز" الجمال، وبين أن تكون واحدة من نجمات الغناء... والتمثيل.

جمهور هيفا لا يزال حتّى اليوم عاجزا عن الحكم على تجربتيها السينمائيتين "دكّان شحاتة" العام 2008 مع خالد يوسف و"حلاوة روح" العام 2014 مع سامح عبد العزيز، الذي مُنِعَ في أكثر من دولة عربية لاتّهامه بعرض مشاهد إباحية.
من هنا تنحصر صورة هيفا في أذهان المشاهدين بمشاهد الإثارة، التي مهدّت الطريق أمامها إلى عالم الفنّ والأضواء، وجعلتها واحدة من أشهر نجمات عصرها. ولعلّ في تجربتها الدرامية الأولى اليوم شرفة حقيقية يجب أن تقف هيفا عليها، لتستفيد منها مهما اختلفنا بشأنها ومهما بدت بعيدة عن عالم الدراما المألوف. ولتدرك هيفا، أوّلا وأخيرا، أنّ العودة إلى نفسها هو الخطّ الصحيح للفنّ دون تكلّف، وأن تنسى، لمرّة واحدة، أنّها هيفا الجميلة آسرة القلوب.

المساهمون