أرى الكون من كورنيش بحر بيروت

14 يناير 2015
ننتظر أن يثور البحر
+ الخط -
لا أمضي أيام الآحاد عادة في بيروت، وخصوصاً الآحاد الممطرة. يغريني المطر دائماً بالعودة إلی قريتي في البقاع. هذا الأحد مختلف. تمطر في بيروت، ودرجة الحرارة متدنية، ولكني لا أعود إلى قريتي. أحس دفئاً غريباً في الأجواء. ربما الستارة النبيذية التي اشتريتها أخيراً هي السبب، ولكن هناك شيء آخر.

أكلّم صديقتي، فأشعر بالدفء أكثر. المطر نقيض الوحدة. كلما أمطرت في بيروت، أكلم صديقتي هذه. نتفق علی شرب فنجان القهوة علی كورنيش بحر بيروت. نمارس أحد طقوسنا منذ أن قصدنا العاصمة. نمشي علی الكورنيش، ولا نحمل مظلاّت. لا حواجز بيننا وبين السماء.

ننتظر أن يثور البحر، وتبلّلنا أمواجه. وكلّما بلّلتنا الأمواج، كلّما تجذّرنا في هذه المدينة أكثر. نحن أبناء السهل، نظنّ أنّنا أقرب الناس إلی التراب. أقرب الناس إلی الأرض. وعندما تمطر في بيروت، نشعر أنّنا أقرب الناس إلی السماء. يحبنا بحر بيروت، ونحبّه.

نرى الصيادين أنفسهم على الكورنيش كلّ مرة. يصبرون على البحر وعلى رزقهم. البحر مزاجي. يهدأ، ويغضب. يحبهم حيناً، ويكرههم ويثور عليهم أحياناً. ويبقى حبيبهم الأوحد. مهما فعل، لا يفارقونه.

يمشي العجائز قربنا، ونميّز إحداهن. نعرفها منذ ثلاث سنوات. تقرر في نهاية الأسبوع أن تمارس الرياضة. تمشي الأحد على الكورنيش، ولا تعود إلا الأحد الذي يليه. هي مثلنا جميعاً. لا ننتبه إلى أجسادنا إلاّ في النهاية، كأن لا قيمة للجسد إلا في النهاية. نهاية الأسبوع أو نهاية العمر. الأمر سيّان.

لا يقطع الصمت سوى صوت طفلة وصلت الآن إلى بيروت. تقول: "حلوة بيروت.. حلوة كتير". ويردد الكون كله جملتها هذه. "حلوة بيروت.. حلوة كتير". وقبل أن يتوقف الكون عن ترداد الجملة، تقول لي صديقتي: "لماذا لا يمكنني أن أرى قبرص من هنا؟ "نقطتا البداية والنهاية عينهما.

نبدأ من البحر، وننتهي عند البحر. تكمن الرغبة في سؤال صديقتي. الرغبة في السفر، ورؤية بلاد جديدة، والتعلق ببيروتنا في الوقت عينه. الرغبة برؤية العالم بل الكون كله، ولكن من هنا، من كورنيش بحر بيروت.
دلالات
المساهمون