هناك حاجة ما لدى جميع البشر إلى سماع الطرائف وإلقاء النكت. وفي التراث العربي، اشتهر الظرفاء الذين يبتكرون النُّكت ويخترعون "القفشات" ويروون النوادر، وكان كبار الأدباء كالجاحظ، يدوّنون ذلك ويصنفونه. ولا يُظَنُّ أن زمناً ما خلا من الظرفاء. وفي العصر الحديث، عرف "المونولوجست"، الذي كان يقوم بتأدية الفقرات الغنائية الفكاهية التي تتخللها النكتة الخفيفة عادة، مثل محمود شكوكو وإسماعيل ياسين وثريا حلمي وحمادة سلطان. وكان الفنان إسماعيل النجدي يؤلف النكت ويبيعها لهؤلاء الفنانين بسعر جنيه للنكتة الواحدة. كما عُرف مأمون الشناوي، أيضاً، بتأليف النكت وبيعها. العالم كلّه يحتفي بالنكتة، وقد اختير الأول من يوليو/تموز "اليوم العالمي للنكتة"، تقديراً لدور الضحك في حياة الأفراد والمجتمعات.
وعلى عكس الاحتفال بـ"كذبة أبريل"، التي اعتاد الناس فيها على خداع بعضهم أو الكذب عليهم، أو حتى إطلاق شائعات بأمور لم تحدث؛ فإن يوم النكتة العالمي يسعى إلى مشاركة النكات مع الآخرين، وليس التندّر عليهم.
بدأ الاحتفاء بيوم النكتة العالمي رسميّاً في الولايات المتحدة، في وقتٍ قريب جداً، بينما يرصد المؤرخون أقدم نكتة مدونة، وينسبونها إلى السومريين القدامى في سنة 1900 قبل الميلاد. ولكن غالباً ما تنسب النكتة الأولى للإغريق، وتحديداً إلى "بالاميدس"، الذي يعود إليه الفضل أيضاً في اختراع أشياء أخرى كثيرة. ومن أمثلة النكتة اليونانية العتيقة قولهم: "إنّ حلاقاً ورجلاً أصلع وبروفيسيراً غائبَ الذهن؛ ذهبوا في رحلة معا، ثم قرروا أن يتناوبوا مراقبة أمتعتهم وحراستها، وعندما جاء دور الحلاق قال في نفسه إنه يشعر بالملل؛ لذلك قرر أن يحلق رأس الأستاذ، وعندما استيقظ الأستاذ ليأخذ مناوبته في الحراسة؛ تحسس رأسه، ثم قال: يالغباء هذا الحلاق لقد أيقظ الرجل الأصلع بدلاً مني!". وتفتخر اليونان، أيضاً، بأنها مُؤسِّسة أول نادٍ كوميدي، على الرغم من أن هدفه كان مشاركة النكات مع الأصدقاء، بدلاً من الوقوف وإلقاء النكات كما يحدث الآن. وتُظهر الدراسات الأنثروبولوجية أن الضحك تطور بوصفه وسيلة لإظهار علامة الصداقة بين البشر، وطريقةً لتقوية الروابط بين الجماعة. وللنكتة أيضاً وظائف اجتماعية كالتنفيس عن مشاعر الإحباط أو اليأس تجاه الظروف الاجتماعية أو السياسية، أو التعبير عن اتجاهات اجتماعية سلبية. وحتى تصل النكتة إلى المقصود؛ تلجأ إلى آلية أشبه بالتهكم، من خلال حكاية سردية موجزة جداً، تتكئ على مخالفة التوقعات.
وللنكتة أنواع متعددة ودرجات في القبول تختلف من مجتمع لآخر؛ ففي دراسة أميركية على آلاف النكات التي كانت منتشرة في أميركا الشمالية، في الفترة ما بين 1970-1975، جاء ترتيب شيوع النكات على النحو الآتي: النكات الجنسية، ثم النكات السلالية والعرقية، ثم النكات السياسية، ثم نكات تعاطي المخدرات، ثم النكات التي تدور حول موضوعات قاتمة كالموت، ثم فئات أخرى لموضوعات أقل شيوعاً.
بينما في دراسة مصرية، اتضح أن الضحك والسخرية من الذات أو من الجماعات الأخرى داخل المجتمع يأتي في المرتبة الأولى من حيث الذيوع والانتشار. ثم تأتي الموضوعات الجنسية في المرتبة الثانية، وفي المرتبة الثالثة تأتي النكتة السياسية والسخرية من الحكام.