عيد بيروت الذي صار "إلكترونياً"

17 يوليو 2015
في أحد محال الحلويات اللبنانية (أنور عمرو/فرانس برس)
+ الخط -
صارت الحلويات التي كانت تُصنع في بيوت بيروت محصورة في البيع والشراء في المحلات. اختفت صواني التفاح المعلّل من شوارع العاصمة وأزقّتها الشعبية. كذلك اندثرت مهن وحرف كانت تنتظر العيد لتنشط ويسترزق أصحابها منها. وهكذا يمكن القول إنّ الحداثة حطّت على المدينة المتوسطية بكلّ ثقلها وعاداتها، شأنها شأن المدن كلّها، أو معظمها، فبدّلت أشكال الأعياد جميعها.

في الماضي

كان "البيارتة" فيما مضى يفضّلون صناعة المعمول في منازلهم. يخرجون مؤونتهم من السميد والسكر الناعم والجوز والتمر، فتبدأ النسوة في تحضير المعمول وحشوه. قبل 60 عاماً مثلاً، كانت تفتقد المنازل لأفران الغاز التي تعرفها اليوم. فيخرج الأولاد بصواني المعمول التي جُهّزت باتجاه محلات الأفران المنتشرة في كلّ منطقة وحيّ. كانت طوابير الأولاد تنتظر معمول العيد خارج الأفران، ثم ينادي عامل الفرن صاحب الصينية باسم عائلته، فيحملها عائداً بها إلى المنزل.
كثيرة هي القصص التي انتهت بها صينية معمول العائلة بالسقوط من يد حاملها أرضاً وضياع جهد والدته وبهجة إخوته. لذلك كان بعضهم يفضّل أن يرسل صاحب الفرن عاملاً من عنده لتوصيل الصينية، خوفاً عليها من الضياع.
الآباء كانوا يجهزون ملابس العيد لأطفالهم، فكان الأولاد يقصدون محلات الخياطة في بداية الشهر الكريم. وطوال رمضان تعمل محلات الخياطة أكثر مما تعمل طوال السنة. كان الجيل السابق من البيارتة يصف بيروت بـ"المذوقة"، فيقولون إنّها تعيش رمضان على صوت ماكينات الخياطة ورائحة الحلويات.
أحذية العيد للأطفال كانت أيضاً تُصنع. فلم يكن يقصد أبناؤها المحلات الكبرى التي تستورد الأحذية. كلّ ربّ أسرة كان يأخذ بيد أطفاله إلى الإسكافي، فيقوم الأخير بقياس الأرجل على لوح خشبي كبير. بعدها يقصّ الإسكافي اللوح على مقاس رِجل كل طفل. وفي آخر أيّام رمضان كان الأب يقصد الإسكافي ليستلم منه أحذية العيد، فيسلّمهم الأخير بحسب القياسات، على سبيل المثال: عائلة فلان، لكم 4 أحذية من قياسات 40 و38 و36 و30.


بائعو التفاح المعلل كانوا يتوزّعون بكثرة في شوارع المدينة. أوّل أيّام العيد تصدح حناجرهم بالمناداة على البضاعة التي يركنونها في صينية كبيرة فوق رؤوسهم، فيصرخون: "معلّل يا حلو، حلو يا تفاح". أما منافسوهم فكانوا بائعي الكبيس "المخلّل" الذين يجولون وأمامهم عربات مليئة بالخيار والمقتي واللفت الأحمر. ألوان الكبيس حينها كانت تغري الأطفال الذين يتجمهرون حول العربة. متعة الأولاد الكبيرة في الأعياد كانت طبعاً زيارة حرش العيد، الذي كان يقع في منطقة "الحرج" داخل العاصمة. هناك تُنصَبُ "الجنازيق" أي الأراجيح، و"الدوارة"، أي مقاعد متراصّة بشكل دائري، يقوم أحد العاملين بدفعها بشكل دائري. حرش بيروت خرجت منه أهزوجة العيد الشهيرة : "يا ولاد أبو شرشوبة، يويو...".

تبدّل العيد

كغيرها من المدن بدّلت بيروت شكل عيدها. الأطفال ما زالوا يجيدون الفرحة بالوسائل التي يعرفونها اليوم: السينما أو "المولات" التي انتشرت. يحملون الآيباد أو السيارات التي يوجّهونها عبر اللاسلكي. بعضهم يرى سلوته في المفرقعات النارية. العائلات تزور بعضها بعضا بعجالة، نظرا لانشغالات الناس اليومية وضيق الوقت. منهم من يقصد المناطق الجبلية بعيداً عن العاصمة. كأنّ المدينة لملمت صوانيها، فاختفت صناعات الحلوى والمعلّل من الشوارع والبيوت واقتصرت على المحلات.
تعيش بيروت اليوم بين جيلين، جيل تأقلم مع الحداثة حدّ حصر بهجة العيد بلعبة إلكترونية، وجيل يتحسّر على ماضٍ بسيط جداً، ماض لعيد لن يعود.

اقرأ أيضاً: 15 نصيحة لإطلالة متميّزة في العيد
دلالات
المساهمون