السينما في عهد عبد الناصر

14 يونيو 2015
سعاد حسني
+ الخط -
بعد وصول محمد نجيب إلى سدة الرئاسة المصرية إثر سقوط الملكية، حرص النظام على جعل السينما أداة من أدواته، فأصدر محمد نجيب بياناً بعد أربعين يوماً من قيام الثورة، أكدّ فيه أنّ السينما وسيلة من وسائل الترفيه والتثقيف، رافضاً "الميوعة والخلاعة" التي قامت عليها السينما سابقاً، وأوضح أنّ الفن يجب أن يكون هادفاً، وليس فقط وسيلة للربح المادي.
ولكن، السينما لا تقبل الثورات المفاجئة، وتحتاج إلى فترة من الزمن حتى تتغير، وتتكيف مع النظام الجديد. لذا، ظهرت بعد الثورة مباشرة أفلام وطنية تعتمد على ميلودراما مستهلكة مثل "مصطفى كامل"، "يسقط الاستعمار"، و"أرض الأبطال". وظهرت أفلام أخرى تبالغ في إنجازات الثورة منذ البداية كـ "حياة أو موت". واستمرت عجلة الإنتاج كما كانت سابقاً، فظهرت أفلام "بومبا"، "قدم الخير"، "حياتي إنت"، "يا حلاوة الحب، "نشالة هانم"، و"عفريت عمي عبدو". ويُذكر أنّ بعض الأفلام التي انتهى تصويرها قبل الثورة، تغيرت نهايتها فقط، وعرضت بعد الثورة.
وركزت الأفلام التي ظهرت بعد انتخاب جمال عبد الناصر على تلميع صورة المؤسسات الدفاعية التي تنتمي إلى حكومة الثورة وأبرزها "ردّ قلبي"، "يسقط الاستعمار"، و"المماليك" حيث تأثرت السينما بشكل واضح بكاريزما عبد الناصر، فانعكست على نبرة أصوات الرواد الذين يتحدثون في بدايات الأفلام.
شهد العقد الثاني من منتصف الخمسينيات أهمّ فترات الإنتاج السينمائي المصري، وظهر خلال هذه الفترة عدد من المخرجين المستقلين سياسياً، وتميزت أعمالهم بالمباشرة والوضوح كصلاح أبو سيف، يوسف شاهين، عاطف سالم، وتوفيق صالح.
وشكلت سنة 1956 علامة فارقة في اهتمام عبد الناصر بالسينما. فبعد تأميم قناة السويس وحصول العدوان الثلاثي على مصر ذاك العام، طلب عبد الناصر من الفنان فريد شوقي تقديم فيلم سينمائي عن العدوان الثلاثي.
وإيماناً بدور الثقافة والإعلام ومن أجل احتواء السينما لتوجيه الشعب، صدر عام 1957 قرار جمهوري ينصّ على إنشاء مؤسسة دعم السينما، وهدفها الارتقاء بالسينما عن طريق تقديم الدعم المادي، أو المعنوي من خلال تمكين صناع السينما من عرض أفلامهم في الخارج. لاحقاً، تمّ ادماج مهمة الثقافة إلى وزارة الإرشاد القومي في شباط/فبراير 1958، ثمّ إنشاء معهد السينما عام 1959.
وأدت هذه الخطوات إلى تفعيل نشاط الحركة السينمائية، فبرز عدد من الأفلام التي تنتقد الواقع الاجتماعي بشكل لاذع، وتتضمن رسائل سياسية مستترة. كما أنّ دور المرأة تغير في الأفلام بعد 1952، فظهرت ماجدة في فيلم "جميلة أبو حيرد"، ومثلت سعاد حسني ونادية لطفي في فيلم "للرجال فقط"، لتسليط الضوء على كفاءة المرأة وحقها في منافسة الرجل في سوق العمل.

إقرأ أيضاً: السينما المصرية زمن الملكية


وفي الستينيات، أممت الحكومة المصرية صناعة السينما لصالحها. فتأممت شركة مصر للتمثيل والسينما، وكذلك بعض شركات التوزيع الكبيرة، مثل "الشروق" و"دولار فيلم"، وبعض الاستوديوهات الكبرى، مثل "مصر" و"نحاس" و"الأهرام" و"جلال"، لكن ظلت بعض شركات الإنتاج والتوزيع وبعض الاستوديوهات الصغيرة في ملكية أصحابها، وكان من نتيجة دخول الدولة مجال السينما، إنشاء المؤسسة المصرية العامة للسينما عام 1962.
ساءت حالة السينما المصرية بعد التأميم وخسرت الملايين، كما أنّ نشاط المخابرات المصرية حينها وسعيها لتجنيد الفنانين، دفع العديدين، مثل يوسف شاهين وفريد شوقي وعاطف سالم، إلى مغادرة مصر. فقصدوا بيروت، ولكنهم قدموا هناك أفلاما ضعيفة نسبياً مقارنة بأفلامهم السابقة.
عاد الفنانون لاحقاً إلى مصر، وتعاونوا مع القطاع العام الذي فشل فشلاً ذريعاً بسبب ضعف السيولة في الإنتاج، الاستعانة بفنانين أوروبيين أقل خبرة كواجهة لتعاون مشترك، وعدم رعاية دور العرض مما أدّى إلى انصراف الجمهور عنها.
وبرز بعدها القطاع الخاص من خلال صفقات مع القطاع العام هذه المرة. وكرّت سبحة الأفلام المميزة في تلك الفترة مثل "الحرام، "القاهرة 30"، "الرجل الذي فقد ظله"، "صراع الابطال"، "فجر يوم جديد"، "السمان والخريف"، وكلها مأخوذة عن نصوص أدبية.
في عام 1967، كانت صدمة الشعب المصري بالنكسة كبيرة. فاستعانت الحكومة هذه المرّة بالسينما، إلى جانب غيرها من الفنون، وعرضت أفلاما تلهي الشعب عن الهزيمة مثل "العتبة جزاز"، "ذئاب المينا"، وفيلم "بلو أب" الأميركي.
بعد النكسة ووعود الحكومة المصرية بالتغيير، لاحظ المصريون أن التغيير اقتصر على تغيير الأشخاص في المناصب وليس تغيير مركزية السلطة. فظهرت مجموعة أخرى من الأفلام تنتقد صورة الأب أو الزعيم أهمها "شيء من الخوف". رأى كثيرون أنّ الفيلم يتحدث عن عصابة سيطرت على البلد، ويقصد به جمال عبد الناصر والضباط الأحرار. لكن، شاهد جمال عبد الناصر الفيلم، وشاهده مره أخرى مع أنور السادات، وبعد المشاهدة الثانية اقتنع أنه لا يمكن أن يكون المقصود، وسمح بعرض الفيلم. ظهرت في الفترة نفسها أيضاً أفلام تحلل أسباب الهزيمة أشهرها "ميرامار".
تكونت في تلك الفترة أيضاً جماعة السينما الجديدة من مجموعة كبيرة من خريجي معهد السينما، وطالبوا بسينما جديدة مختلفة تعبر عن تطلعات وطموح الناس. وضمت الجماعة مخرجين مثل علي عبد الخالق ومحمد راضي ورأفت الميهي وداود عبد السيد وأشرف فهمي. وأنتجت الجماعة فيلمين ناجحين هما "أغنية على الممر" و"الظلال في الجانب الآخر"، بالتعاون مع مؤسسة السينما المصرية الحكومية.
تنتهي هذه المرحلة في حياة السينما المصرية، لتدخل مرحلة جديدة بعد وفاة عبد الناصر، وتولّي أنور السادات رئاسة الجمهورية في مصر عام 1970. قاد السادات ما عُرف بـ "الحركة التصحيحية" في 1971، ليبني نظاما جديدا على أنقاض النظام السابق، مما يؤدي إلى ظهور العديد من الأفلام التي تكشف عن فساد النظام السابق، تماماً كما حصل بعد ثورة 23 يوليو/تموز 1952.
المساهمون